عبد الهادى قنديل.. ومبارك
«التقيت بالرئيس مبارك عام 1991، وقال لى : نريد أن نصدر غازا طبيعيا لإسرائيل فقلت له : ليس لدينا غاز كافٍ للتصدير. فكان رده : السفير الأمريكى قدم لى معلومات بوجود كميات ضخمة من الغاز».
اقرأ أيضا : وزير التموين.. من الإحسان الى "الأنعرة"
متابعًا: «أصابتنى الدهشة التى لاحظها الرئيس، وقلت له: يا افندم هم الأمريكان هم اللى يقولوا عندنا إيه ولا نعمل إيه ومنعملش إيه؟ اسألنى أنا يا افندم ، أنا مستشارك وليس السفير الأمريكى، وأنا أعلم بما لدينا من غاز، ونحن فى احتياج إليه» فأومأ برأسه موافقًا ومقتنعًا بكلامى، وقال: «عندك حق».. وفى أول تعديل وزارى تمت إقالتى.
هكذا يكشف عبد الهادى قنديل وزير البترول الأسبق فى الكتاب المهم الذى صدر حديثا للزميل أسامه داود بعنوان "عبد الهادى قنديل.. حكايتى مع مبارك ورجال ناصر والسادات" أهمية الكتاب تكمن فى أنه ينفرد بشهادة رجل لعب دورا خطيرا فى مراحل مهمة من تاريخ مصر، بعد أن ظل صامتا الى أن لقى ربه منذ نحو عام.
واقرأ أيضا : كلام فى الغلاء
فقد عاصر قنديل نكسة يونيو وكان شاهدا على أحداثها بل ولعب دورا وطنيا خطيرا أثناء وبعد حدوثها، كان كادرا مهما فى التنظيم الطليعى أيام الرئيس عبد الناصر، ثم عاصر وتعامل مع رجال الرئيس السادات كقيادى فى قطاع البترول وعاش سنوات المقاطعة العربية واحتك بزعماء عرب ورصد فى الكتاب مواقفهم المساندة والمتخاذلة فى سنوات القطيعة بعد كامب ديفيد.
ثم عاصر نصر أكتوبر وكان له دور كبير في إمدادات البترول، ثم تم تعيينه كوزير فى زمن مبارك ، لكنه اصطدم برجاله ورموز نظامه. «كان الصدام مع بعض الوزراء ورؤساء الوزراء سببه طمعهم فى أرصدة قطاع البترول لمصلحة وزارة المالية»، هكذا يحكى «قنديل»، فى الكتاب مضيفاً: «لم يكد يمر على رئاستى لهيئة البترول شهورا، حتى وصلت الدكتور «عبد الرزاق عبد المجيد» وزير المالية آنذاك معلومات بأن لدينا 500 مليون دولار، فذهب إلى الرئيس «السادات»..
وأخبره بهذا الرقم، وقال: إن الحكومة فى حاجة لهذا المبلغ، فقال له: خدهم، وكانت تلك المبالغ تم توفيرها من منح التوقيع على الاتفاقيات، والتى تسددها الشركات التى فازت فى المزايدات. أما الدكتور «على لطفى» فعندما كان وزيرًا للمالية فى حكومة الدكتور «مصطفى خليل»، فتكررت محاولاته للحصول على أرصدة وزارة البترول، لكن «مبارك» قال: كتم عليها وإمنع الحكومة من الاقتراب منها».
يتحدث «عبد الهادى قنديل» فى الكتاب عن صدام آخر ويصفه بـ «الأكبر» قائلاً: «الصدام الأكبر مع الحكومة هو ما وقع بينى وبين وزير الاقتصاد سلطان أبو على ، مردفاً: «وصلت معلومات لوزير الاقتصاد بوجود رصيد لهيئة البترول 4 مليارات جنيه، وكنا استطعنا توفير تلك المبالغ لصالح إنشاء مشروع للطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وفى وقت كان الجنيه يساوى 1.3 دولار ، وكان الدكتور «على لطفى» رئيسًا للوزراء، وفوجئت بوزير الاقتصاد يصر على الحصول على تلك المبالغ، وكان يتصف بالتشدد والتشبث برأيه».
اقرأ أيضا : عن منع التكاتك.. مفيش فايدة
يُفصل «قنديل» الواقعة قائلاً: «وصلتنى معلومات من داخل البنك الأهلى بمحاولات «سلطان أبو على» معرفة كل ما يتعلق بتلك المبالغ، فأدركت ذلك، ولم يكن أمامى إلا تصعيد الأمر إلى الرئيس مبارك، وشهادتى للتاريخ أن الرئيس حسنى مبارك عندما علم بالرقم، قال: حافظوا على هذا الرصيد. ويا ريت تخفوه عن الحكومة؛ لأنها لو تحصلت عليه، فسوف يأكلون به، ويروح المجارى» مستطرداً: «الأزمة تصاعدت، وكانت سببًا فى الإطاحة بكل من «على نجم» و«سلطان أبو على» وزير الاقتصاد فى حكومة «على لطفى»..
فطلبتُ الرئيس «مبارك» فورًا، وكان بالإسكندرية، وأبلغتُه ما وصلنى من معلومات حتى يتدخل لأنه كان حريصًا على عدم إعلان تلك الأرقام، فقال لى: اطلب محافظ البنك المركزى، وأبلغه أن الرئيس يبلغك فى حالة اطلاع تلك اللجنة على أرصدة البترول، فسوف تدفع الثمن، فاتصلت بـ«على نجم» وأبلغته بما دار بينى وبين الرئيس، وقلت له أنت المسئول أمام الرئيس عن ذلك، وخلال أيام وتحديدًا فى 18 نوفمبر 1986 كان مبارك قد أجرى تعديلاً وزاريًّا عالج به الموقف..
حيث تم إقالة حكومة علي لطفى ووزير وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وكان يتبعها المالية ومحافظ البنك المركزى على نجم والذى ظل مقاطعًا لى طوال حياته. كان قنديل عضوا فى التنظيم الطليعى وسجل فى الكتاب ذكرياته عمن جار عليهم الزمن من رجال عبد الناصر قائلاً: «سامى شرف» جاءنى عقب خروجه من السجن، وطلب منى تشغيل ابنه، ولم يكن يملك ما يستطيع أن يكفى معيشته، وتم تعيينه فورًا؛ لأنه لم يتربح فى حياته، ولم يحصل على أكثر من راتبه.
ويرى قنديل أن كل من عملوا بجانب «عبد الناصر» كانوا على أعلى مستوى من طهارة ونظافة اليد، ، ويضيف "قمت بتعيين ابن شعراوى جمعة لأن الجميع تخلى عنهم، ولم يكونوا يملكون شيئًا غير معاشهم. ويتذكر قنديل أن «سامى شرف» عندما أصيب بمرض فى الرئة، أجرى جراحة استئصال نصف الرئة فى مصر، وبعدها تطلب الأمر جراحة أخرى لاستئصال النصف الثانى، ولم يكن يملك ما يستطيع أن ينفقه على العلاج، فأصدر الدكتور «كمال الجنزورى» قرارًا بسفره إلى باريس للعلاج..
وكنت أعمل فى «جنيف» بعد خروجى من الوزارة، نائبًا لرئيس إحدى الشركات الأجنبية، فسافرتُ إلى باريس، واكتشفتُ أن «سامى شرف»، الذى كانت الدنيا بين يديه، يقيم فى لوكاندة، ربما تمثل فى تصنيف الفنادق أقل مستوى فى العالم أجمع، وحاولت أن أقدم له مبلغًا ماليًّا، وكدت أقبل يده، لكنه رفض بشدة.
ويضيف قنديل هكذا تعرف الرجال الذين يملكون من طهارة اليد وعزة النفس ما لم يملكه أصحاب المليارات. هكذا كان كل الرجال الذين عملوا بجوار جمال عبد الناصر. وويسجل قنديل موقفه من «عاطف عبيد» رئيس وزراء مصر الأسبق ويرى أنه أجرم فى حق مصر ببيع الشركات الوطنية»، مضيفاً: «كان هناك موقف من جانبى لإنقاذ شركات البترول من مذبحة الخصخصة، فقد وقعت خناقة بينى وبين كل من: «عاطف صدقى» و«عاطف عبيد»، قبل دخولى اجتماع مجلس الوزراء، والسبب أنني وجدت الدكتور «يوسف بطرس غالى» يحمل ملفًّا..
اقرأ أيضا : عندما قالت الممرضة "مين قال له يعمل حادثة"
وبالصدفة البحتة سألته مازحًا: إيه الملف ده؟ ولم يكن وزيرًا وقتها، فقال هذا ملف به الشركات المقرر طرحها للبيع، فطلبت منه الملف، ووجدت به 5 شركات بترول، وهى: إنبى وبتروجت وشركة الطيران وغاز مصر والحفر المصرية، وكنت أعتبرهم الدجاجة التى تبيض ذهبًا لقطاع البترول وخزانة الدولة». يستطرد «قنديل» قائلاً: «دخلتُ الاجتماع غاضباً، وطلبتُ إجابة فورًا عما يحدث من رغبة فى بيع شركات البترول، فقالوا: إنهم يريدون تنشيط البورصة. وجاء ردى: البورصة لا تهمنى فى شىء.
وقلت سوف اتصل بالرئيس مبارك؛ لأنكم لا تعرفون أنكم تهدمون البلد. والتقينا مع الرئيس «مبارك» أثناء مناقشة موازنة الدولة، وكنتُ فى حالة صمت، فقال: ما سبب صمتك؟ قلت: لأنهم يبيعون شركات البترول التى تحقق أعلى أرباح دون علمى. فقال: كيف ذلك؟ قلت: أعطنى 10 دقائق أشرح ما تريد الحكومة ارتكابه من جريمة.
وشرحتُ دور كل هذه الشركات، وكيف أنها تتحمل نفقات كثيرة عن الدولة، وأنها تمثل وسيلة لتكسير الأسعار التى تنافس الشركات المصرية.. فنظر الرئيس إلى الدكتور «عاطف صدقى»، وقال له : ابعد عن شركات البترول. وبعد خروجى من الوزارة استبعدوا شركات البترول من برنامج الخصخصة، والذى تم التوسع فيه. والحقيقة – كما يقول قنديل - أن الرئيس «مبارك» كان رجلا وطنيا يستجيب لما يُعرض عليه طالما كان فى الصالح العام».