رئيس التحرير
عصام كامل

عن منع التكاتك .. مافيش فايدة

أكاد أصل لقناعة ، بل صرت على يقين أنه لا أمل فى القضاء على الصراصير المتحركة فى شوارع هذا البلد والمسماة بـ"التكاتك".. وكأنه سرطان استفحل ولم يعد هناك أمل فى الشفاء منه. بل صرت على يقين أنه لاجدوى من كل تصريحات المسئولين عن تقنين وضعه وإلغاء غير المرخص منه..

 

قرأنا منذ شهور عن توجيه رئيس الوزراء لوزارة المالية ببدء برنامج لاستبداله وإحلاله بسيارات آمنة ومرخصة، مثل "الميني فان" تعمل بالغاز الطبيعي، مثلما تم سابقاً في استبدال سيارات التاكسي القديمة ليحل محلها التاكسي الأبيض ، ولكن فيما يبدو أنه لم ولن يتم الاستبدال.

 

ومنذ أيام كلف رئيس الوزراء المحافظين بمواجهة ظاهرة "التوك توك المخالف" من خلال تحديد خط سيره وترخيصه والتأكد من وجود رخصة قيادة لسائقيها ، لكن فيما يبدو أيضا أن ذلك لم ولن يحدث .

 

لقد كتب صديقى وجارى الأستاذ طلعت إسماعيل مدير تحرير "الشروق" مقالا بعنوان "مملكة التوك توك.. حان الرحيل" كشف فيه عن أن الانطباع الوحيد التى يتشكل لدى السائحين الأجانب الذين يزورون مصر هو أنها بلد "التكاتك" وليس بلد الأهرامات مصر.

اقرأ ايضا: التوك توك الجديد.. قرار جديد لرئيس الوزراء لمواجهة ظاهرة التوك توك المخالف

كان طلعت يجلس وسط مجموعة من الصحفيين غالبيتهم جاءوا من شرق أوروبا لحضور مؤتمر فى العاصمة الألمانية برلين، وتصادف جلوسه إلى جوار زميل بلغارى فى العقد الخامس من عمره والذى بادره بالسؤال التقليدى: من أين جئت؟ وبمجرد أن أجابه أنه مصرى صاح بطريقة لفتت نظر الحضور الذين تجمعوا لتناول العشاء والتعارف: «توك توك...توك توك».

 

ويضيف "وسط علامات الاستغراب التى ارتسمت على وجوه الحاضرين، اكتشفت أن هذا الزميل قد زار القاهرة من قبل، لكن للأسف العاصمة بعراقتها لم تُختزل فى ذاكرته كما هى العادة فى صورة الأهرامات بشموخها، ولا النيل بعظمته، ولا بأهل المحروسة الطيبين.. فقط بقى «التوك توك»، هذه المركبة القبيحة شكلا ومضمونا، عالقا فى ذهنه بعد أن رآه يسرح ويمرح هنا وهناك.

 

للأسف تبدد حلمنا بالقضاء على هذا الوباء الذى شوه وجه مصر ويمثل عنوانا صارخا لحالة الفوضى المرورية والعشوائية التى ضربت كل شوارع وحوارى وأزقة هذا البلد، حتى صرنا نلعن ليل نهار ذلك الشخص الذى كان سببا فى إدخاله الى مصر، أسكن فى مكان يفترض أنه محاط بأسوار وله بوابات ويسمونه "كمباوند"، وللأسف يتواجد فيه أكثر من ألف توكتوك غير مرخص يقوده أطفال صغار دون الثامنة ومنهم أحداث ومشردين وبلطجية وسوابق..

 

وفشلت كل استغاثات ومحاولات السكان لمنعه بعد أن انتشر وتوغل كالسرطان، تأتى حملة مرورية تصادر القليل منه ثم يعودون كما كانو بعد مغادرتها المكان، وصارت أمنيتنا الآن –بعد أن يأسنا من منعه والقضاء عليه- أن يتوقف سائقو براميل الزبالة المتحركة هذه عن تشغيل الديجيهات فى أوقات مبكرة من الصباح ومتأخرة من الليل والتى تجعل منها ميكروفونات متحركة تزعج الجميع .. للاسف لم يعد يجرؤ القانون فى هذا البلد على منعهم.

 

وبمناسبة الحديث عن الفوضى والعشوائيات، فقد بشرنا الذين صاغوا مواد قانون التصالح فى مخالفات البناء بأن الحصيلة التى ستدخل خزانة الدولة من جراء غرامات التصالح ستصل الى 10 و 20 مليار جنيه، وهناك من كان أكثر تفاؤلا وبشرنا بحصيلة 30 مليار جنيه، وربما لم يدرك هؤلاء المتفائلون طبيعة المواطن المصرى وهى أنه فى غياب ما يلزمه بالدفع لن يدفع، وقلت فى السابق أن هذه الارقام المستهدفة لن يتم تحصيل 10% منها لأن الذى تم تزويد منزله "المخالف" بالكهرباء والمياه والمرافق كاملة بدون وجه حق ليس مجبرا على الدفع.     

 

والحقيقة أن وجهة نظرى كانت صائبة ، فقد كشف التقرير الذى قدمه وزير الإسكان لرئيس الوزراء منذ أيام - بعد مرور خمسة اشهر على تطبيق القانون - عن تقدم 90 ألف طلب للتصالح حتى الآن، وتم تحصيل 30 مليون جنيه ، وهذه النسبة لاتمثل سوى نحو 5% من إجمالى المخالفين. باختصار .. سيستفيد المخالفون بالتصالح وستصبح مخالفاتهم أمرا واقعا .. ولن تجنى الدولة سوى القليل

 

>> أرقام مخيفة وردت فى دراسة لإتحاد الصناعات عن حجم الاقتصاد الخفى أو غير الرسمي حيث كشفت عن أن حجمه يبلغ 4 تريليون جنيه، تعادل 60% من حجم التعاملات السنوية للاقتصاد والمقدرة بنحو 400 مليار دولار.

واقرأ ايضا: برلمانية: قانون الضريبة على الدخل أبرز خطوات ضم الاقتصاد غير الرسمي

والاقتصاد الخفى أو «بير السلم» هو الذى يتهرب أصحابه من دفع حقوق الدولة ويضم المحال غير المرخصة والأكشاك وعربات البضائع والمأكولات بمختلف أنواعها التى ملأت الشوارع والميادين والأسواق العشوائية والعقارات غير المسجلة وسائقي التكاتك وغيرها، وهى أسواق كاملة تعمل فى خفاء تام بعيدا عن سيادة القانون.

 

أتصور أن على الحكومة البحث عن صيغة لضم مليارات اقتصاد "بير السلم" الى الخزانة العامة للدولة كما تنوى أن تفعل مع الصناديق الخاصة.

 

              

الجريدة الرسمية