الإمام والأستاذ.. حوار جرى تشويهه
ما حدث من سجال بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والأستاذ الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة في مؤتمر تجديد الخطاب الدينى العالمى الذي عقد الأسبوع الماضي بالقاهرة جرى تشويهه بفعل فاعل، خاصة وأن هناك مقدمات موحية بأن الأزهر يعيق مسألة تجديد الخطاب الدينى، وأن هناك تيارات ترى في التجديد نجاة للدين من براثن الاختطاف المتعمد من تيارات الإسلام السياسي وتيارات القتل باسم الدين.
الذي حدث أن الدكتور الخشت قدم رؤيته من خلال كتاب حظى بنقاش في إحدى الورش التي حضرها فضيلة الإمام، وكان للإمام مداخلة نتصور أنها تثري الحوار لولا سيادة لغة التربص داخل القاعة، فقضية التجديد لا يمكن أن تجري بين يوم وليلة، والأصل فيها هو خلق مساحات من الحوار الديناميكي، القادر على بث الحياة في عملية التغيير، لتصبح واحدة من أدوات العصرنة، خصوصا وأن الجميع متفق على إلحاح القضية وضرورتها الآنية.
اقرأ أيضا: الإعلام والأخوة الإنسانية
بعد المداخلة والرد عليها طافت وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، المؤيدون والمعارضون في الفضاء الإلكترني يتسمون بفرضية الإقصاء فمن ليس معنا فهو ضدنا، وأصبحنا أمام فريقين، وخلصنا من خناقة السوشيال إلى حالة نفى طالت الجميع، والأكثر دهشة أنه تم اختزال القضية فى أنها معركة بين الدولة ممثلة في الدكتور الخشت، والفريق الآخر، وكأن الأزهر خارج إطار هذه الدولة.
اقرأ أيضا: مؤتمر الأخوة الإنسانية.. تحديات جديدة
ورغم أهمية المداخلة والنقاش وأهمية ما طرحه فضيلة الإمام إلا أن الاختزال المزعج لقضية التجديد أدى إلى إغفال أوراق بحثية غاية في الأهمية طرحت في المؤتمر، وشاركت بها وفود ممثلة لعدد من الدول الإسلامية، نتصور أنها نواة حقيقية لبداية جدية في هذا الملف الشائك، من الممكن البناء عليها، واعتبارها قاطرة يمكنها في مؤتمرات قادمة أن تمثل نقلة نوعية في الحوار من أجل الوصول إلى آلية تضمن صيرورة التجديد، وفق مبادئ علمية تضع تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الحسبان.
وسائل التواصل الاجتماعى لم تتوقف عند هذا الحد من الاختزال المعيب، بل زاد الطين بلة نشر شائعات حول مصير شيخ الأزهر ، وتصوير الأمر على أن هناك معركة بين الدولة وبين المؤسسة العالمية التي تقدم خدماتها لكل دول العالم وتحظى بثقة المجتمع الدولى، وهو الأمر الذي دفع أيضا قوى الشر وجماعة الإخوان الإرهابية إلى الجزم بأن هناك حالة خصام بين الشيخ والنظام!! ورغم أن عقد المؤتمر بهذه الكيفية وبهذا الحضور الكثيف دليل على أهمية الدعوة التي وجهها الأزهر وجديته في التعامل مع الملف الشائك، إلا أن الحضور غير الموضوعى لوسائل التواصل الاجتماعى أفقد المؤتمر أهميته، خصوصا وأن بعض وسائل الإعلام غير المسئولة أقحمت نفسها بهجوم غير مبرر على المؤسسة الدينية العالمية وبشكل يتعارض وقيمتها التي اكتسبتها على مدار تاريخها.
وبالرغم من كل ذلك وبمتابعة الأوراق البحثية التي قدمت في المؤتمر نستطيع القول إنه اصبحت لدينا لبنة، وما جري يجب أن يوضع في موضعه الطبيعى، إذ إن مشوار التجديد أطول من أعمار من يعملون عليه الآن، ونشوء آلية بالقاهرة بلد الأزهر الشريف من شأنها أن تضيف إلينا الكثير من التأثير، بعد أن أصبح الإرهاب مرادفا ذهنيا للإسلام استفادت منه قوى معادية لديننا الحنيف بصورة فجة خلطت بين الدين والمتطرفين.