محمد القصبجى يكتب : أم كلثوم شخصية قوية
فى مجلة الكواكب عام 1949 كتب الملحن القدير محمد القصبجى ــ من أوائل من قدم ألحانه إلى أم كلثوم ـــ مقالا عن سيدة الغناء العربى أم كلثوم، قال فيه: ”هى التى سعدت بمصاحبتها والاتصال بها على مدى أكثرمن ثلاثين عاما وسأظل كذلك إلى أن أرقد فى الثرى، وقد لمست فى أم كلثوم الكثير من الصفات والسجايا مما لم تتح لغيرى من أصدقائها أن يقفوا عليها نظرا لصلتى الوثيقة بها” .
تربعت أم كلثوم على عرش الغناء والطرب منذ عام 1924 فلم يجرؤ أحد على النزول إلى ميدان منافستها أبدًا، فعندما تعرفت بها للمرة الأولى فى ذلك العام كانت تقطن فى شقة متواضعة بحى عابدين شارع "قولة" وتعيش مع والدها ووالدتها وأخواتها جميعا، وكانت أم كلثوم صغيرة ضامرة جميلة الوجه والقوام، وكانت ترتدى العقال وتسير به ولم تكن تخرج من البيت.
كانت معتكفة تمرن صوتها وتؤدى ألحانها فى سكون حتى يحين موعد الحفلات التى يتعاقد عليها والدها فتخرج من شقتها إلى مكان الحفلة، وعندما رأيتها أول مرة أحسست بقوة شخصيتها فكانت تجلس إلى التخت وكأنها قد مارست الطرب منذ ثلاثين عاما، من قبل القاهرة كانت أم كلثوم قد جابت مدن الوجه القبلى والبحرى وأطربت الناس فى الموالد والمقاهى والحفلات الخاصة والعامة حتى طارت شهرتها إلى القاهرة فقوبلت أحسن استقبال وفتحت الصالونات لها الأبواب ودخلت من أوسعها وأرحبها.
فى عام 1934 سمعتها تغنى ويومها أيقنت أن صاحبة هذا الصوت سيخلدها التاريخ فصوتها صوت أمين فأتمناه نحن أهل اللحن على ألحاننا ليؤديها أحسن أداء فى وضوح تام، فقد صنعت لنفسها تاريخا مشرفا ، فهى من المطربات النادرات فى العالم كله ولديها فراسة غريبة بل حاسة قوية تمكنها من تلمس مقدرة كل فنان فى كل عمل يؤديه، وهى فوق كل هذا تحترم شعور كل فنان وتعترف بمقدرته الفنية.
وأم كلثوم تحترم الغير وتحتفظ بصداقة الأصلح لها فى عملها، وهى أم الوفاء وكم مرة كانت تصرخ فى وجه من يغتاب الغيرمن طويلى الألسنة، وهى كريمة ندية الكف وبارة بأهلها إلى أقصى الحدود، أما أم كلثوم المرحة ذات البديهة الحاضرة والنكتة الحلوة فقد تحدث عنها الكتاب والأدباء والشعراء أن من يجلس فى مجلس به أم كلثوم تحرم عليه المجالس الأخرى تماما ومن يستمع إلى أم كلثوم لا يطيق سماع صوت آخر غير صوتها.
اخبار ماسبيرو.. خطة الشبكة الثقافية لاحياء ذكرى رحيل ام كلثوم
أذكر على سبيل المثال نكتة لأم كلثوم تدل على مدى سرعة بديهتها، معروف أن شعر رأسى أبيض وكذلك الشارب وأننى أصبغ شعرى دائما وحدث أننى كنت أريد توديعها إلى أوروبا فى رحلة علاجها فركبت القطار إلى الإسكندرية ونسيت صبغ شاربى وعندما جلست مع أم كلثوم فى القطار وأخرجت من جيبى مرآة صغيرة وقلما أسود ورحت ألوّن شاربى بالأسود فضحكت أم كلثوم وقالت (شوفوا الراجل رجع شاب بجرة قلم).