رئيس التحرير
عصام كامل

فيتو تحاور مليجي الدراما المصرية "سيد صادق" .. نافست نور الشريف وكنت صديق شخصي للشيخ الشعراوي

فيتو

مشهد1 : بخطى ثقيلة وحثيثة وجسد مازال محتفظا بضخامته رغم ما فعلته به سنوات العمر الخمسة وسبعين، يسير الحاج سيد صادق ناحية محله القائم بمنطقة وسط القاهرة، بالقرب من مقهى غزال الشهير، يلقي التحية على رواد المقهى وأصحاب المحال المحيطين به، يستند على زجاج الباب الرئيسي للمدخل، يبحث عن كرسيه الذي يتوسط المحل خلف المكتب الخشبي، على يساره جهاز تلفاز صغير، وعلى يساره بعض من بضاعته التي يتاجر بها منذ نهاية الستينات "الرولمان بلي". يسحب النارجيلة "الشيشية" ويقربها من فمه ليشرع في تدخينها بينما يأتيه أحد العمال للتوقيع على بعض أوراق العمل.

 

مشهد 2 : الممثل القدير "سيد صادق" يقف خف شاشة التلفاز تتدافع الشرور من عينيه، يبعث بهما وبجسده الضخم وصوته القوي رسالات تهديد لبطل العمل، تجارة مخدرات وتهريب آثار وغسيل أموال، قتل وسرقة ونهب وغير ذلك، جميعها مهم يقوم بها شخص سيد صادق في هذا العمل الدرامي أو ذاك الفيلم السينمائي، ليخلد في ذهنك أنك أمام مجرم مكتمل الأركان والهيئة.

كلا الوجهان سابقين الذكر، ينتميان لشخص واحد  وهو "ابن البلد" و"مليجي" السينما الحديثة الفنان سيد صادق، الذي غالبا لا يخلو عمل درامي أو سينمائي خلال العقود الماضية من وجوده، مادام الأمر يتطلب وجود شخصية الرجل الشرير الذي حضر خصيصا لتكدير صفو أجواء العمل الفني!

 
 

 

شتاء عام 1952 كان الطفل سيد صادق على موعد مع فتح صفحة مع عالم التمثيل التي ظل يجدد ويطورها في سطورها على مدار 50 عاما، كانت ثورة يوليو قد انتهت، تولى الرئيس محمد نجيب حكم البلاد، "كنت في المدرسة الابتدائي جابوني اعمل شخصية محمد نجيب اللي مشى الملك فاروق من مصر، كانت مسرحية عملتها مدرسة الشيخ صالح الابتدائية بعابدين، اختارني مدرس العربي بتاعي علشان أقدم الدور ده، وبالفعل عملت الشخصية  وكانت أول مرة أمثل في حياتي، ولاقت إعجاب شديد من الإدارة ووازرة التربية والتعليم، وبدأت الرحلة من هنا".

في مرحلة الثانوية كان سيد قد تشرب وتشبع من الفن تماما، لم يترك باب في المسارح التابعة لوزارة التربية والتعليم إلا وطرقه، خاض حينها مسابقة فنية في نهاية العام الدراسي على مسرح الأزبكية وكان منافسه بها الطالب "محمد جابر" وهو الفنان نور الشريف، "كنا بنتنافس مين يأخذ الميدالية الذهبية ومين الفضية، ووقتها أخذت أنا البرونزية وهو الذهبية، ومازلت محتفظ بها".

الحاج سيد صادق كان سيد ينتمي لأسرة متوسطة الحال، فالأب يعمل كاتب على الآلة الكاتبة والأم ربة منزل، لذا بعد أن أنهى سيد قسطا من التعليم يتناسب و ظروف والده المعيشية، أراد أن يلتحق بمعهد الفنون المسرحية، ويتقن التمثيل بعد أن تعلقت روحه به وبات بالنسبة له كالماء والهواء، " كنت عاشق للتمثيل تقريبا بيجري في دمي، لكن كان لازم اشتغل واستقر بحياتي المعيشية، ففي عام 1963 اشتغلت في أحد محال الرولمان بلي، وبعد 3 سنين بقى معايا فلوس اصرف على نفسي  وفتحت محل بالشراكة وبقيت رئيس على نفسي، فأول قرار اخدته إني أرجع للتمثيل مرة أخرى، نور الشريف هو اللي ساعدني ارجع التمثيل تاني كان في سنة 3 ودربني على مشهدين ونجحت، لكن رجعت الأزمة المالية مرة أخرى فتركت أوراقي في المعهد، ودخلت معهد تعاون في قصر العيني لكن دخلت مسرح الجامعة  وقدمت مسرحيات كانت بتأخذ مراكز متقدمة".

 

 

 

"مينفعش ممثل يشتغل شغلانة أخرى، غلط ممثل يكون عنده شغلانة أخرى، لكن الحياة أثبتت إنه أكبر صح، هو بس خطأ لأنه الممثل المتفرغ بيكون عنده فرصة أكبر على طاولة الترشيحات".. تلك هي فلسفة سيد صادق الذي آمن بها طيلة مسيرته الفنية التي نتج عنها تقديم أكثر من 200 عمل سينمائي ودرامي، إلا أن ترتيبات القدر كانت لها حسابات أخرى، فلم يتمكن سيد من ترك عمله في مجال تجارة "الرولمان بلي" ولم يستطع أيضا أن يتوقف عن تنفس الفن وتعاطيه كالعقار المخدر كما يحب أن يصف.

"في سنة 1979 وبعد ما عملت 9 مسرحيات، طلبني السيد راضي للمشاركة في مسرحبة مطلوب حيا أو متزوجا، وشاركت فيها وكانت بداية حقيقية ليا في التمثيل، واستدعاني في تمثيل مسلسل عيون مع فؤاد المهندس، توالت الأعمال بعد كدة "معرفش مشيت إزاي" كان فيه سنوات بعمل في السنة الواحدة 4 و خمس أعمال بنفس الوقت، كنت بلاقي دور ليا ومكان فاضي في كل عمل، في الثمانينات والتسعينات، مش في مصر بس ولكن في عدد من الدول العربية".

 

كان آخر وقوف لسيد صادق أمام الكاميرا في عام 2015 بمشاركته في مسلسل أستاذ ورئيس قسم مع الفنان عادل إمام، يعتز سيد بزمالة إمام يصه بخفيف الروح والممثل الذي يجدد من نفسه طوال الوقت، "يمكن اشتغلت كتير مع عادل إمام بحبه جدا وبعتز بمعرفته، لكن صداقتنا مع بعض تلاشت تماما، كان بيقول عني جدع وابن بلد ورجل بحق وحقيقي، يمكن مازلت حتى الآن صديق مقرب لعبد العزيز مخيون، والمخرج مجدي أبو عميرة".

 

 

روتين ثابت وإيقاع منتظم يبدو أن صادق يتبعه منذ سنوات حيال عمله بين المكتب والمحل في منطقة وسط القاهرة، ففي تمام الثانية عشرة ظهرا، يخرج سيد متجها إلى صلاة الجماعة التي تقام عادة أمام مقهى غزال، يفرغ منها ويتجه بخطواته الهادئة إلى مكبه القائم في الشارع الخلفي، يلقي التحية على عامل الجراج.. صاحب كشك السجائر.. وصبي المقهى، تستوقفه سيدتان تلقيان عليه التحية ثم عبارات الثناء والامتنان للصدفة التي أتت بهما إلى هذا المكان، " أنا مكنتش احلم إني اتعرف الأيام دي شهرتي مع الناس في الشارع زادت جدا، حاسس إني أخدت حقي فنيا لما بعدت أكثر من وقت ما كنت جوة المجال الفني دلوقتي بجني ثمار اللي عملته خلال 50 سنة".

 

 

فصل جديد ومختلف من فصول حياة سيد صادق المزدحمة بالحكايا والمواقف التي لا حصر لها، بطل فصلنا هذا لم يكن سيد صادق التاجر ولا الممثل صاحب الـ 200 عمل فني، لكنه الصديق المقرب للشيخ محمد متولي الشعراوي، ليالي الشتاء أمام المدفئة وثمار الذرة الطازجة وولائم المحشي والأوز والبط وغير ذلك، ساعات طويلة يقضيها سيد بجوار الشيخ والمُعلم ونخبة من الرفاق، " كنت صديق شخصي للشيخ الشعراوي ويوميا بتقابل معه وبيأكلنا ويشوي لما بنفسه الذرة ويأكلنا كنا بنتكلم في كافة الأمور الحياتية وأي مشكلة بتواجهني كنت بلاقي حل عنده، مازلت محتفظ بعباية  "أمبريال منجاوي" أعطاها لي بعد ما استدعاني في ليلة شتوية بعد ما شاهد فيلم لي مع الراحل نور الشريف".

 

 

 

وهبه الله ملامح حادة ونظرة قوية يتخفى وراءها الدهاء والمكر الذي يمكن بلفتة تمثيلية بسيطة أن يتحول إلى شر مكتمل، فطوع ذلك بما يخدم موهبته التمثيلية ويعزز من دوره بالعمل الفني ليبدو للمشاهد أنه شرير كما يجب أن يكون وقاتل محترف تثير حركاته وسكناته داخل العمل الفني الخوف والكره معا في نفس المشاهد، إلا أنه على الجانب الآخر أب حنون وجد بدرجة صديق لأحفاده.

"أنا أب لبنتين وولد وهو المؤلف لؤي السيد اللي دخل مجال التأليف والكتابة الفنية منذ حوالي 14 سنة، واحترف به. يمكنني أن أصف نفسي بأنني بعيد كل البعد عن شخصية سيد صادق الممثل، حناني يفوق الحنان أنا أب مصري عادي جدا، أنا بحب أحفادي بشكل جنوني هما تقريبا حاليا كل حياتي، لما بنقعد مع بعض في وقت فراغنا نلعب ونتخانق ونتصالح، أنا عندي 7 أحفاد طول الوقت يحضنوني يجروا عليا أول ما آجي من برة يجروا عليا يحضننوني ويبوسوني. أنا حريص إني اخليهم يشوفوا أعمالي، بلاقيهم يتصلوا بيا يقولولي أنت في مسلسل أهو يا جدو وبيشوفوا شخصية عكس شخصية جدهم الحقيقية، لكن عارفين إني بمثل معتزين جدا بالشخصية اللي كونتها لنفسي دي".

 

 

 

عادة ما يظهر اللون الأسود وتتجلى معالمه ويتسيد هو المشهد، أما إذا أسقطنا عليه نقطة صغيرة باللون الأبيض، حتما سيشغل الأبيض كل التركيز والاهتمام، هذا ما حدث ما أحب الأعمال الفنية على قلب سيد صادق وهو دور الحاج علي في مسلسل الحقيقة والسراب مع الفنانة فيفي عبده. تتساقط الدمعة من عينه بعد أن حاول جاهدا ألا تسقط!، بينما يمسك بالهاتف ويتابع مشهد توبته أمام الست ثريا عما فعل بها، لأول مرة تشاهد سيد صادق يندم على ما اقترفه في عمل فني، "المصريين عرفوني بالحاج علي في الحقيقة والسراب، لأنه أول مرة كنت اعمل دور شرير وطيب في الوقت نفسه".

 

 

 

 

 

الجريدة الرسمية