رئيس التحرير
عصام كامل

مجمع أديان فى منزل عم ترمبيل.. الأب «كاثوليكي» والأم «إنجيلية» والأولاد «مسلم» و«مسيحي»

الأم مع بناتها أحدهما
الأم مع بناتها أحدهما مسلمة والأخرى مسيحية

في خمسينيات القرن الماضي، كان الشاب السوداني جوري ترمبيل – مسيحي كاثوليكي – من مواليد جبال النوبة التي تقع في جنوب كردفان على ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر، يبحث عن زوجة ليكمل معها حياته فوقع اختياره على «لمراء» ذات الـ 15 ربيعا.

الحياة كانت تتسم بالبساطة والبدائية في تلك المنطقة من السودان، صعوبة الوصول إلى مرتفعات جبال النوبة جعلتها تتسم بالعزلة الجبرية، وتبني ثقافة مختلفة ومغايرة لما يمكن تسميتهم بـ «أهل الحضر».

فى مرحلة تالية قرر “جوري” الهجرة إلى شمال السودان، وقتها واجه مشكلة مع اسمه واسم زوجته “لمراء”، كان تداول اسميهما صعبا على الجيران والمعارف هناك، فما كان منهم إلا تغيير الأسماء ليتسنى لهما التواصل فاختار جوري اسم «محمد» لشيوعه في الأرجاء فيما اختارت لمراء اسم «سمية».

الاثنان كبرا في جبال النوبة، في بيئة لا تعطي للأسماء قيمة سوى أنها أسماء لأشخاص لا تعني شيئا أبعد من حدود كونها كنية، ولا تعد معيارا لتمييز المسلم من المسيحي.

عاشا سويا وأنجبا 4 أبناء ولدين وبنتين، أكبرهم سنأ كانت تدعى منى، اعتنقوا الديني المسيحي بالفطرة دون تفكر في الأمر، كانت الأم «سمية» منتمية لطائفة الإنجيليين والأبناء في طوائف مختلفة لم يكن الأمر ذا أهمية لديهم، فهم تربوا أن الرب واحد وتتعدد طرق الإيمان به. 

كبر الأطفال وكبرت تطلعاتهم، في أحد الأيام راود الابنة الكبرى «منى» حلم أثناء نومها إذ بطائر أبيض يشبه الحمامة ويتحرك بهدوء وروية طار في أرجاء غرفتها واقترب منها على مهل ونظر إليها فإذا بنور أضاء الغرفة وراحة نفسية تسللت إلى صدر البنت ذات الـ 16 عاما، تقول منى عن تلك اللحظة: «كنت أنتظر رسالة من الله، دار  بيني وبين أحد معارفي حديث ونقاشات حول الدين الإسلامي، وتلك كانت رسالة الله إلي وقتها قررت اعتناق الإسلام». 

كانت لحظة مليئة بالاضطراب، لم تكن الابنة الشابة تدري من أمرها شيئا، ولم يكن لديها الجرأة لإخبار أسرتها نيتها ترك الدين المسيحي واعتناق الإسلام، ووقع اختيارها على  والدتها لتخبرها بما تفكر، تقول منى: «لم أكن أذهب إلى الكنيسة في تلك الفترة، انتظرت عندما تجلس والدتي لوحدها في المنزل، وحدثتها عما يدور في خلدي ويؤرق منامي».. أخبرتُها: «أمي أنا قررت أن أعتنق الدين الإسلامي».

صمتت الأم لحظة، رمقتها بنظرة متفحصة، وتحركت في أرجاء المنزل، تقول منى: «كان الأمر في بدايته صدمة لأمي، لكنها صمتت طويلا قرابة الساعة ودخلت أنا في غرفتي أنتظر قرارها، حتى جاءتني قائلة: هذا قرارك ومصيرك الخاص، لا يمكن أن أحمل ذنبك وأخشى عليكِ من عاقبة اختيارك، لكنك ستظلين ابنتى في نهاية المطاف وأتمنى لكِ دوما السعادة والراحة». 

شعرت «منى» براحة نفسية، كأن صخرة أزيحت من فوق صدرها، لم تعد تخشى أن تبلغ أحدا بأفكارها، فوالدتها تساندها، في المساء اجتمعت مع إخوتها تخبرهم بقرارها: «سنظل إخوة وبيننا محبة كبيرة، فأنا اخترت طريقا مخالفا لطريقكم ولكن هدفنا وغايتنا واحدة، فأنا اتخذت قرارا بالدخول في دين الإسلام والزواج من مسلم، لكني حريصة على أن نبقى أسرة واحدة، تلقى إخوتها قرارها بهدوء دون أي تدخل، احتضنها إخوتها ودعوا لها بالتوفيق فيما اختارت». 

 

 

من جانبها ترى ناهد الأخت الصغرى لـ “منى” (مسيحية من طائفة «المسيح» في السودان)، أن الدين حق واختيار خاص للإنسان، فلا يمكن أن يجبر على اعتناق دين أو فكر بالوراثة أو دون اقتناع: «نعرف أن اختيار أختنا الكبرى سيلقي بظلاله على كافة مظاهر حياتها، فهي اليوم سترتدي الحجاب وستغير من نمط حياتها، لن تذهب معنا إلى الكنيسة بعد اليوم، بالتأكيد ستحتفل معنا، لكن ستبقى هي في دين آخر نحترمها ونقدرها». 

الدين داخل أسرة عم ترمبيل لم يمثل حاجزا يوما، فلا يمكن تقييم أي شخص على خلفيته الدينية بأي حال، المهم ألا تقود عضو الأسرة أفكاره إلى معاداة الآخر، بل تقبل الآخر هو الأمر الهام لأن الدين يحاسب عليه الخالق وحده، تقول ناهد: «تلك القصة حدثت منذ أكثر من 15 عاما، وانتقلت شقيقتي إلى منزل زوجها المسلم، وأنجبت ثلاثة أبناء اثنين منهم يعيشان في السودان وآخر خارج السودان، أحد أبنائها مسيحي وآخر مسلم، تعلمت أختي الدرس من أمي جيدا، لم تتدخل في اختيارات أبنائها، بل تركت الأمر لهم، يحق لهم اختيار الديانة التي يقتنعون بها دون خوف من ردة أفعال العائلة، الأمر الهام هو ألا تقودهم أفكارهم إلى التهلكة».  

الجريدة الرسمية