البحث عن روح فريدة
يختلف الناس حول حقيقة «الروح» من ناحية ومعنى ودلالة الكلمة من ناحية أخرى، فيما يدور الجدل بيننا في مسالك دينية وفلسفية، لكن الخلاصة تقول إنها كيان غير محسوس أو «مخلوقةً من جنسٍ لا نظير له في الوجود مع الاعتقاد بكونها الأساس للإدراك والوعي والشعور عند الإنسان»، حسب العلاّمة «ويكيبيديا».
وبعيدا عن الخلاف الفلسفي - الديني حول طبيعة الروح وحقيقة وجودها من عدمه، يبقى لدينا جميعا (مؤمن – وغير مؤمن) اتفاق على وجود «روح» خفية تميز الشيء عن غيره من الأشياء التي تناظره أو حتى تشبهه شكلا..
اقرأ أيضا : نصب تذكارى للفرص الضائعة
ببساطة، تذكر معي الطعام الذي اعتدت أن تتناوله من يد والدتك، فصينية البطاطس التي تعدها هي تطبخها من المكونات نفسها التي تستخدمها زوجتك في بيتكم أو الشيف في المطعم أو أحدهم في أي مكان آخر، ومع ذلك يختلف طعم البطاطس من صينية لأخرى ويبقى لست الحبايب تفردها وتميزها، وهو ما نطلق عليه «النفس» الذي يجعل طعامها مختلفا عن أي طعام آخر ما يدفعك لأن تغطس داخل الحلة لتلهط وتهطل على روحك كما العيل.
ومن صينية بطاطس الحاجة إلى الصينية النحاس التي تلمع بالنقوش رغم انطفاء بريق معدنها، هل سألت نفسك لماذا تشعر بالانبهار وأنت تتفحص الخطوط المتداخلة المحفورة بعناية على سطحها، ولماذا لا تشعر بالانبهار نفسه وأنت تطالع صينية شبيهة تصنعها الآلات في الورش والمصانع.
أنا عن نفسي متأكد أنك تعرف السر، فيد الصنايعي حتى وإن كانت مرتعشة وهي تدق بالأزميل على سطح النحاس، فإنها تحفر بدقة لوحة فريدة لا يمكن تكرارها، إذ إنه في كل مرة حتى وإن كرر الرسمة والتصميم، فإنه يبث فيها روحا جديدة تخص هذه الصينية بعينها دون غيرها، وذلك على العكس من الأواني التي تطبعها الآلات في الورش والمصانع، والتي تخرج لنا آلافا من القطع المتشابهة تماما، بدون غلطة واحدة، فتبقى رغم بريق المعدن منطفأة الروح!!
اقرأ أيضا: في إيد أمينة
الأمر ذاته ينسحب على اللوحات الأصلية والتماثيل المنحوتة بشغف، فكل قطعة منها تحمل جزءا من روح الفنان، فتتحول إلى روح منفصلة، تمنح الحياة لهذه التحف التي تكاد من فرط جمالها أن تنطق «أنا فريدة لا أشبه غيري».
أما عن أصحاب المواهب، فمن المؤكد أنك تعرف أحدهم، وربما يكون شخصا يمتلك قدرات حقيقية تؤهله لأن يصبح نجما في مجاله، ومع ذلك فإنه يخيب كل التوقعات ويبقى منحسرا في منطقة لا تتناسب وقدراته.
وكمثال لذلك، فنان موهوب لكنه غير مشهور ولا يمكن اعتباره نجم شباك مقابل زميل له لا يمتلك نصف إمكاناته ومع ذلك يوضع هذا الأخير في صدارة قائمة الأعلى أجرا.
اقرأ أيضا: سيما أونطة
وأعتقد أن لدى كل منا قائمة بعدد كبير من الممثلين والمغنين والرسامين وغيرهم، ممن لا يتصدرون المشهد رغم قوة موهبتهم وغزارة إنتاجهم ووفرة خبراتهم، وربما السبب في ذلك أنهم ليس لديهم «حضور» أو «قبول»، فالحضور والقبول بمثابة الروح التي نتحدث عنها..
تذكر أكثر الإفيهات التي ضحكت عليها، ستكتشف أن من أطلقها أحد هؤلاء الذين تشعر بقبول تجاههم، بدليل أن هذه القفشة أو الألشة لو كانت قد جاءت على لسان شخص «ثقيل الظل» لما ضحكت عليها.. في كل شيء حولك ابحث عن الروح، تلك البصمة التي تميز الشيء عن نظيره، وتعطيه نكهة فريدة.