ما معنى الآية الكريمة "من شر النفاثات في العقد"
يسود بين الناس الخوف من العين الشريرة التي توقع الحسد تلك العين التي تتمنى زوال النعمة عن الغير، وقد هدانا الله بنعمة القرآن وسورة الفلق لاتقاء شرالسحر والحسد فما هو تفسير سورة الفلق بصفة عامة وما هي النفاثات في العقد؟ يجيب عليها الشيخ محمد متولي الشعراوي فيقول:
إن تفسير الآية الكريمة "ومن شر النفاثات في العقد" من سورة الفلق .. إذا فسرناها بأنهن الساحرات أو السحرة على إطلاقهم، هنا العلماء وقفوا موقفا من هذه الآية، وكذلك موقفا من قوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد) في الآية التي تليها.
قال العلماء: إن هذه الآية جاءت لنا بنقطتين وقف العقلانيون فيهما.. إذ كيف يوجد شيء يسحر، وشيء يحسد، إذ أنكر العقلانيون السحر، وقالوا لا يوجد سحر إطلاقا ذلك لأنه لم يخضع لقضية عقلية عندهم. كما أنكر الحسد أيضا لأنه لم يخضع أيضا لقضية عقلانية عندهم كذلك، وكما يقولون عن المدرسة العقلانية إنها لها نية حسنة، ولكن المدنية الحاضرة والنهضة العصرية التي بدأ الشرق العربي والشرق الاسلامي أن يتعلق بأسبابها من الغرب فتنت العقول بهذه الاشياء.
وبعد ذلك جاء العقلانيون يتدخلون في قضايا الإيمان الغيبية بأن يقربوا المسائل العقيدية التي لا تتفق مع العلم التجريبي وواقع الأشياء، ومنطق الأشياء فصاروا يؤولون فيها، وهم بذلك يريدون أن يخضعوا كل قضايا الدين لنطاق التجربة.
ولو أن هذه المسائل دخلت تحت نطاق التجربة لما كانت المسألة في حاجة إلى رسول ولا إيمان بالله. ولا يبقى عقلك حجة على ما خلق.. وكم من أشياء لم تكن داخلة تحت نطاق الحس، ولا تحت نطاق التجربة، وبعد ذلك دخلت تحت نطاق الحس وتحت نطاق التجربة.
الأشياء التي كانت غيبا زمان ثم صارت مشهدا تجريبيا الآن، وهذه دلالة على أن عقل الإنسان ليس مقياسا في فهم الأشياء، عقلك ليس له إلا أن يوثق ذلك.. أصدر ذلك عن الله أم لم يصدر. وبعد ذلك هو قال أم لم يقل ذلك؟ إن قال.. خذها أنت مثلما قال الحق تبارك وتعالى، وبعد ذلك يكون البحث والاجتهاد.
إن اهتداء عقلك لبعض الأسرار قد يجعلك تؤمن عن يقين وعن ثقة بالأشياء وأنت لم تشهدها.. قال تعالى (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) .
هنا قال الحق .. ويحيطون .. جعل الإحاطة ونسبها للبشر، لكن بإذن الله، فكأن كل غيب عن البشر له مقدمات في الكون من أجل أن يظهر.
قال تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) فالمقدمات تفضل من الله على الإنسان وبعض العلماء قال النفاثات في العقد إنها ليست السحر، قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
فالسحر ليس عملية بشرية واصلة عملية علوية، فالشياطين علموها للبشر وبعد ذلك تناقلها البشر (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .