عيد الشرطة.. ملحمة كتبها تاريخ الوطنية بحروف الدم
في السابعة من صباح يوم 25 يناير عام 1952، أمر الجنرال أكسهام، قائد القوات الإنجليزية التي تحاصر مبنى محافظة الاسماعيلية، بإطلاق مدافع الإنجليز ومدافع الدبابات (السنتوريون) لتدك بقنابلها مبنى المحافظة.
ولم تمر سوى ساعات قليلة، حتى أمر اكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة، لكي يعلن رجال الشرطة المصريين المحاصرين في الداخل بإنذاره الأخير، وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وبمجرد أن تلى أحد الجنود بيان "اكسهام"، حتى جاء الرد سريعا وواضحا من رجال الشرطة البواسل الذين رفضوا ترك أرضهم، بأنهم لن يستسلموا إلا جثثا هامدة، فانطلقت المدافع مرة أخرى تمطر الأبطال، وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى لأكثر من 6 ساعات.
اقرأ أيضا : إنهم يسرقون الموتى
وعلى الرغم من جحيم الرصاص والمدفعية، ظل أبطال الشرطة صامدين في بسالة يدافعون عن مواقعهم ويقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى أنفيلد) أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية وقتها، حتى نفدت ذخيرتهم وسقط منهم فى المعركة 50 شهيدا، و80 جريحا..
ما دعا الجنرال اكسهام أن يأمر رجاله بإعطاء التحية العسكرية إلى رجال الشرطة الذين ظلوا أحياء أثناء خروجهم من المبنى، اعترافا بشجاعتهم وإيمانهم بقضية الدفاع عن أرضهم، وأسر البريطانيون من بقي منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود، وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف، ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
اقرأ أيضا: محافظ القليوبية الجديد.. لا جديد
ولم يكن دم الأبطال ليذهب سدى، وإنما خلفت المعركة ورائها سقوط 13 قتيلا من الضباط البريطانيين، بالإضافة إلى 12 جريحا، في ملحمة ستظل حروفها مكتوبة بالدم على جدار تاريخ الفداء والوطنية.
ومن قلب المحنة اتخذت الشرطة ذلك اليوم عيدا لهم، لكي يتذكر أبناء الوطن تضحيات رجال الأمن على مر السنوات، وتصديهم لعمليات الإرهاب التي دفعوا حياتهم ثمنا لها، وتصديهم بشجاعة لأباطرة تهريب المخدرات والإتجار بالبشر، في لحظة حاسمة يستعيد فيها كل شرطي في مصر روح المقاومة التي أظهرها أبطال 25 يناير 1952.