إنهم يسرقون الموتى
"أعرفكم بنفسي.. الريس حلاوة.. المهنة حرامي.. حصلت حادثة أتوبيس كبيرة قوي، وكان رجال الشرطة بيقوموا بدورهم، ورجال الإسعاف بيقوموا بدورهم، ورجالتي كمان بيقوموا بدورهم". هذا الحوار البسيط من فيلم "جاءنا البيان التالي" (إنتاج 2001)..
والذي ورد على لسان أحد الحرامية الكبار عندما استدعى الفنان محمد هنيدي، ليخبره أن صبيانه عندما كانوا ينهبون متعلقات أحد الجرحى في حادث الأتوبيس الذي وقع على الطريق الصحراوي، عثروا على شريط به معلومات هامة تفيد الصحفي الذي يتولى التحقيق في أحد القضايا بشأن شخصية عامة.
هذا الحوار على رغم مما اتسم به من فكاهة وخفة ظل كعادة أفلام الفنان محمد هنيدي، إلا أنه عكس مؤشرا في غاية الخطورة، وأوحى بدلالة على مدى التفكك والانحلال الذي وصل إليه المجتمع على مدار العقود الأخيرة، فما لم نكن نتوقعه أن يتولى عدد من اللصوص مراقبة الطرق العامة الكبيرة التي تزيد فيها نسبة وقوع حوادث السير، كالأوتوستراد، والطريق الدائري..
فضلا عن طرق السفر الطويلة كالطرق الصحراوية والزراعية والطريق الإقليمي، ليتولوا مهمة في غاية الخسة والانحطاط، وهي التربص بمصابي الحوادث وضحاياها، و"تقليبهم" أي نهب متعلقاتهم وسرقة ما معهم من أموال وهواتف، ويصل الأمر إلى تجريدهم من ملابسهم إذا كانت ثمينة، وخواتمهم وساعاتهم، وكل ما يمكن سرقته يتلون نهبه.
هل لك أن تتصور أن إنسانا وصلت به الخسة والوضاعة أن يتربص بجريح لا يقوى على تحريك إصبع قدمه، وبدلا من أن يهرع إلى تقديم المساعدة له والاتصال برجال الإسعاف، يقوم بسلبه أمواله، بل ويسرق منه وسيلة الاتصال الوحيدة (هاتفه) التي قد تكون سببا في نجاته من الموت وإسعافه من جروحه؟!
ما بالك بشخص يسرق ميتا، شخص وصل إلى درجة من السفالة والحقارة أن ينظر إلى جثة هامدة تنذرك بما تحمله من علامات الموت، ثم وبقلب جاحد وضمير ميت، يستولي على ما معه ويذهب كأن شيئا لم يكن.
ألم يخطر في بال هذا اللص المنحط، والذي يمارس أحط أنواع السرقة، ألم يخطر في باله أن يفكر في دين ولا عرف ولا تقاليد أو أي معنى إنساني يوجب عليه سترهذا الميت، وأخذ العظة من مصرعه على هذا النحو، بدلا من سرقته وأكل لحمه في سلوك تتعفف عنه الحيوانات.