يوسف القعيد عن محنة الخطاب الدينى : تجديد الفكر ينصرف لكل الأديان السماوية .. ولست مستريحا لشعار«التجديد » ( حوار )
أعترض على كلمة «الخطاب» لأنها ترجمة مغربية أو شمال أفريقية لكلمة فرنسية وأصبحنا نستخدمها بمناسبة وبدون مناسبة
«التركيبة الدينية» نفسها تحتاج لرؤية جديدة وفهم مختلف عما هو قائم نظرا لأن «القائم» صعب
اليهودية دين سماوى لا علاقة له بالعصابة الموجودة فى دولة العدو الصهيونى المغتصبة لأرض فلسطين
من جديد.. تطرح قضية "تجديد الخطاب الدينى" نفسها للنقاش، وإن كانت هذه المرة عبر مسارات رسمية. في الأسبوع الأخير من الشهر الجارى، وتحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور نخبة من كبار القيادات والشخصيات السياسية والدينية البارزة على مستوى العالم، يُنظم الأزهر الشريف مؤتمرًا عالميًا، بعنوان "مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر والعلوم الإسلامية". المؤتمر يهدف إلى تجديد الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي علقت بأذهان البعض.
فضلًا عن تحصين الشباب من أفكار التنظيمات المتطرفة كما يهدف إلى ترشيد الوعي ومقاومة تيارات الغلو والإرهاب، وتحرير مفهوم الخطاب الديني، وتصحيح مفاهيم التبست بأذهان كثيرين، لمواجهة التحديات التي تواجه عالمنا العربي في المرحلة الراهنة.
على الشاطئ الآخر من النهر.. يقف فريق كارهه للأزهر الشريف وللإسلام، زاعمًا أن المؤسسة الدينية الأبرز في العالم لا تبتغى تجديدًا، ولن تقدم جديدًا، وأن الإسلام يحتاج إلى ثورة من الداخل، وليس مجرد تجديد أدوات وآليات خطابه، وهذا الفريق يسعى إلى تفكيك الإسلام وتخريبه وإعادة إنتاج إسلام عصرى فارغ المحتوى والجوهر.
"فيتو".. تستبق انعقاد هذه الفعالية المهمة بإجراء حزمة من الحوارات مع أصحاب تيارات واتجاهات مختلفة ومتباينة، ضمن ملفل شامل بحثًا عن كلمة سواء، يتحقق من خلالها تجديد الخطاب الدينى، بما لا يخالف شرع الله، وبما يخالف هوى المتربصين بالإسلام والمرتزقين من التجرؤ عليه في كل المحافل، الداخلية والخارجية.
نبدأها بالكاتب الروائى يوسف القعيد، عضو مجلس النواب الذى أرسى فى بداية حواره قاعدة مهمة وهى أن «تجديد الفكر الدينى لا يتوقف عند حد الدين الإسلامى لكنه ينصرف إلى بقية الأديان فى الأرض»، وذلك عند سؤاله عن موقفه من الأحاديث المتداولة حول ضرورة «تجديد الخطاب الديني» والمؤتمر العالمى المقرر انعقاده نهاية الشهر الحالى تحت رعاية رئاسة الجمهورية والأزهر الشريف.
«القعيد» أكد أن الأزمة لا تتوقف عند حد «الخطاب الديني» لكنها تشمل الفكر أيضا، مشددًا على أن نجاح المؤتمر الذى دعا له رئيس الجمهورية وينظمه الأزهر حول تجديد الخطاب الدينى، مرهون بأداء اللجنة التحضيرية له، مبديا انزعاجه من عدم دعوة الكنيسة لحضور ذلك المؤتمر.
كما أوضح النائب البرلمانى أن الأزهر والكنيسة، جهتان أساسيتان، فى تجديد الخطاب والفكر الدينى ثم يأتي بعدهما عدد من الجهات، داعيًا لدراسة التجربة الأوروبية فى فصل الدين عن الدولة، وغيرها التجارب السابقة.. وعن موقفه من الخطوات التى اتخذها الأزهر الشريف فى طريق «تجديد الخطاب» وتوقعاته للمؤتمر المنتظر وأمور أخرى كان الحوار التالى:
*أيام قليلة تفصلنا عن انعقاد مؤتمر «الخطاب الدينى بين التجديد والتبديد» تحت رعاية رئاسة الجمهورية والأزهر الشريف.. برأيك هل من الممكن أن يحدث هذا المؤتمر فارقًا؟
بداية.. أنا لست مستريحا لمقولة «تجديد الخطاب الدينى»، كشعار، فنحن فى أمس الحاجة إلى خطاب دينى جديد، كما أننى أعترض من الأساس على كلمة «الخطاب» لأنها ترجمة مغربية أو شمال أفريقية لكلمة فرنسية، وأصبحنا نستخدمها بمناسبة وبدون مناسبة وبدون وعى، وأرى أن «التركيبة الدينية» نفسها نحتاج فيها إلى رؤية جديدة وفهم جديد مختلف عما هو قائم، نظرا لأن «القائم» صعب، نقول إن هناك شيئا مطلوبا تجديده، ونحن نريد شيئا جديدا تماما.
وأرى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، معنى بهذا الأمر منذ توليه، وما زلنا نذكر أحد المؤتمرات بمجمع البحوث الإسلامية بمدينة نصر، حيث اضطر الرئيس السيسى رغم أدبه الجم وتعامله الإنسانى مع الناس كلها، أن يقول لشيخ الأزهر علنًا: «تعبتنى يا مولانا»، وهذه حادثة كبرى معناها أنه ضاق ذرعا بالجمود الموجود فى مسألة الخطاب الدينى.
ومن هنا أرى أن مؤتمر بهذا الحجم يتطلب أن نعرف جيدا، اللجنة التحضيرية له نظرا لأنها أهم من أي شيء آخر، حيث إن نجاح أي مؤتمر مرهون باللجنة التحضيرية التى تمثل جميع الأطراف المعنية بالأمر، ويجب أن تمثل الكنيسة باللجنة التحضيرية حيث إن تلك المهمة لا يجب أن تقتصر على المصريين والعرب المسلمين والمسيحيين، بل تمثل كل الأطراف المعنية بالقضية على مستوى العالم، وحيث إن المؤتمر سيعقد هذا الشهر، فيبدو أن ما أطالب به لن يتحقق على أرض الواقع.
*«اللجنة التحضيرية» التى تحدثت عنها.. هل يمكن أن تؤثر على دور وهدف المؤتمر ونتائجه؟
بالطبع.. فالتحضير وتجهيز الأوراق البحثية لأى مؤتمر أهم من جلسات المؤتمر وما سيطرح به من آراء، كما يزعجنى جدا إغفال الأخوة المسيحيين ذلك المؤتمر، حيث عندما أقول الشيخ أحمد الطيب، يتبادر إلى ذهنى فورا دون مناقشة البابا تواضروس الثانى، لأنهم شركاء الوطن والمصير، ولا يجب إغفالهم على الإطلاق، وما يؤمنون به هو دين، لا يقل أهمية عن الدين الإسلامى، ويدين به عدد كبير جدا من المصريين.
*هل تعنى هنا أن تجديد الخطاب أو الفكر الدينى لا يجب أن يتوقف على الدين الإسلامى فقط؟
بالطبع.. فتجديد الفكر الدينى لا ينصرف إلى الإسلام فقط، بل ينصرف إلى الإسلام والمسيحية وكل دين على الأرض، ولو أن اليهود عددهم كبير فى مصر بخلاف ما يذكر فى وسائل الإعلام، فيجب أن يكون لهم ممثل فى المؤتمر، وبالطبع ليس لذلك علاقة بالعدو الإسرائيلى، إطلاقا، لأن اليهودية دين سماوى، لا علاقة له بالعصابة الموجودة فى دولة العدو الصهيونى المغتصبة لأرض فلسطين، وبالتالى أرى أن أي دين على الأرض لا بد أن يمثل فى هذا المؤتمر.
المهم.. أننا نريد تعاملا جديدا مع ديننا، ونريد معرفة جديدة لدينا، ونريد أن ننزل به من السماوات للأرض، بمعنى أن الأديان تنظم علاقتنا بربنا وأيضا تنظم علاقتنا ببعضنا البعض وحياتنا اليومية وتعاملاتنا اليومية وهذا هو مفهوم الدين الحقيقى، وليس أن تذهب للمسجد أو الكنيسة وتؤدى الفروض التى عليك، ثم تذهب تسعى فسادًا فى الأرض، فالدين سلوك وممارسة وعلاقة بالرب والنفس والآخرين.
*إذن.. هل الأزمة من وجهة نظرك تكمن فى الخطاب الدينى أم الفكر الدينى من الأساس؟
الأزمة فى عدم القدرة على التفرقة بين «المقدس» وهو علاقة الإنسان بربه، وبين الأمور الحياتية واليومية التى تختلف عن الأمر المقدس المتفق عليه، والتى ينظمها الدين أيضا، مثل بالنسبة تنظيم الإسلام للعلاقات اليومية للمسلمين فى الشارع، من شراء وبيع وتعامل وغيرها، فالدين مسألة حاكمة ومصدر للتشريع، وهنا لا خلاف على أن الثوابت أو المقدسات لا يمكن الاقتراب منها، أما المتغيرات وهى التعاملات اليومية، فيجب تطويرها والتوقف أمامها، وبالتالى فالأزمة فى الفكر وليس الخطاب فقط.
*برأيك.. ما الآليات المطلوبة لتجديد الفكر الدينى؟
أرى أن الدين فى جزئه المقدس الثابت الذى لا يمكن الاقتراب منه، والذى مكانه المسجد والكنيسة والمعبد، ينظم علاقة الإنسان بربه، فذلك موضوع سماوى مقدس لا أقترب منه، لكن الجانب الآخر من الدين الذى يتم خارج المسجد والكنيسة والمعبد، وينظم المعاملات اليومية، والتى يتم استخراجها من الكتب المقدسة، يجب أن تتم «عصرنته» ليتماشى مع الحياة اليومية، وأستشهد هنا بموقف الإسلام من الربا، وفى نفس الوقت نجد البنوك تمنح فوائد وعليها إقبال كبير، فلا نريد ازدواجية، وأيضا شركات توظيف الأموال ذات الطابع الإسلامى، وبالتالى فنحن بحاجة دائمة للتطوير والتوفيق بين النص الثابت والظروف المعاصرة التى تتطلب تجديد ذلك النص.
*هل الأزهر الشريف هو المنوط به التجديد أم أنه يجب أن تكون هناك جهات أخرى تشاركه الأمر؟
بالطبع للأزهر دور مهم وجوهرى، كما أن الشيخ أحمد الطيب حاصل على دكتوراه من جامعة السوربون، وأذكر أنه بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ دعا الشيخ أحمد الطيب مجموعة من المثقفين كنت واحدا منهم، إلى جانب الراحل جمال الغيطانى، والدكتور جابر عصفور وسيد ياسين، وعملنا وثيقة الأزهر الشهيرة التى أعلنت فى مؤتمر صحفى عالمى، وكانت خطوة للأمام ومهمة، حيث كانت نظرة جديدة للفكر الدينى، وكونها تحت رعاية الأزهر كانت مهمة جدا، وأرى أنها كانت تكفينا كثيرا من هذا العناء، لكن عندما دخلنا على وثيقة خاصة بالمرأة وأوضاعها، لم يكتمل المشروع ولم تنشر الوثيقة التى أعددناها، وتم التوقف عن تلك اللقاءات.
*ولماذا حدث ذلك؟
وثيقة المرأة لمجرد أنها قالت كلمة المساواة، اصطدمت بالنصوص القرآنية التى تنص على أنه للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو الموقف التقليدى جدا من المرأة فى الإسلام، صحيح هو نص ولا اجتهاد مع نص، لكن لا بد من حل آخر للمساواة، حيث تعول نساء -حاليًا- أسرًا، وتعمل فى مناصب مهمة منها وزيرات داخلية ودفاع فى بعض الدولة مثل لبنان ، ومنها الإسلامية.
*وهل هناك جهات أخرى يمكنها القيام بخطوات فى تجديد الفكر الدينى؟
بالطبع، بالتوازى مع الأزهر نجد الكنيسة، فهما جهتان أساسيتان، ثم يأتى بعدهما المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مركز الأهرام للدراسات السياسية، والجامعات المصرية، والمعممين.
*وما الذى يمكن أن تقدمه هذه الجهات؟
الجلوس على مائدة واحدة دون مواقف مسبقة ومناقشة الأمر، وحال توصلنا لما يرضينا جميعا سنكون وفرنا على مصر والعالم العربى والأمة الإسلامية والعالم كله سنوات عديدة، فى الأخذ والعطاء فى أمور تم تجاوزها، وأرى ضرورة دراسة التجربة الأوروبية فى فصل الدين عن الدولة، وبالطبع لا أنادى بذلك، ولكن علينا دراسة التجارب السابقة، لا سيما وأننا لدينا نصوص وأحاديث نبوية تشير إلى أننا أدرى بشئون دنيانا.
*ينظر الأزهر إلى بعض المنادين بالتجديد باعتبارهم مبددين وهدامين.. إلى أي مدى تتفق وهذا الرأى؟
بالفعل.. أعرف أحد القيادات الأزهرية «مقدرش أقول كلامى عن تجديد الفكر الدينى فى حضوره»، وإن كنت أرى أن التشدد غير مطلوب.
*وبماذا تنصح مثل تلك الشخصيات المتشددة؟
أنصحهم بأن يكون لديهم عقل حر وفكر حر والتمسك بجوهر الإسلام وجوهر المسيحية، والفصل بين أمرين أساسيين، وهما العلاقة بالرب واحترام الكتب المقدسة من جانب، وبين الحياة اليومية من جانب آخر.
*لو دعيت للمؤتمر، ماذا سيكون موضوع الورقة البحثية التى ستتقدم بها للمؤتمر؟
لست متخصصا، لكننى أرى أن يكون المدخل الرئيسى للبحث، هو التفرقة التامة بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت لا كلام فيها سوى التأكيد عليها، أما المتغيرات فيمكن التكلم فيها كيفما نشاء وبحرية ودون مواقف مسبقة أو تخويف أو تكفير أو تخوين، لأن الجميع أبناء هذا الوطن، ومن حقهم أن يقولوا رأيهم وأرى أننا حال توصلنا لذلك فستكون هذه خطوة جيدة.
*وماذا عن المفاهيم الخاطئة التى يرددها البعض داعيا للعنف؟
هؤلاء لا نناقشهم، فالأمن يتعامل معهم، فمن حمل سلاحا لا يتم التعامل معه إلا بالسلاح، وأتكلم مع من يحمل فكرا فقط، لكن من يحمل سلاحا لا أتحدث معه، فهؤلاء خوارج العصر.
*وما توقعاتك الشخصية حول نجاح المؤتمر؟
من الصعب والمستحيل الحكم على مؤتمر لم يبدأ بعد، ولا نعرف اللجنة التحضيرية التى تعد له، ولم نقرأ الأوراق البحثية، وإن كنت أرجو ألا يكون شيئا مثل أشياء كثيرة تمت من قبل، وأن يكون مختلفا تماما لقداسة الأزهر والكنيسة التى أتمنى مشاركتها، وكذلك لاهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى لولاه كنا فى غياهب العصور الوسطى، فهو أخذنا من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، وبالتالى كلامه لا بد أن يطاع، وأتمنى أن يطرح المؤتمر الأسئلة المحظورة كخطوة أولى، إلى أن نصل لإجابات لها.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"