حريق "تمرد" واحتراق المنظمات الحقوقية!
حينما عجزت الجماعة المقطورة عن مواجهة تمرد المصريين السلمي فى الشارع، كان حريق مقر الحملة والاعتداء على شبابها أولى خطواتها التالية على "تجردها" من الديمقراطية، وعندما فقدت المنظمات الحقوقية سعي نشطائها في الشارع المصري لحساب حالة "التوهان" التي تحياها فى سبيل البحث عن حظوظ تمويل لمشروعاتها وبرامجها، تلقت الصدمات واحدة تلو الأخرى لتصور كشريك في مخطط خارجي لضرب الوطن و"يحترق" تاريخها أمام عقل جمعي لا يستوعب حقيقة دور أحد أو كيان خلال المرحلة الحرجة من تاريخ مصر.
الحالة التي أصبحت عليها كيانات ساهمت بقوة خلال العقد الأخير في رفع وعي الشباب والفئات المضارة من سياسات النظام الحاكم، قبل صدور حكم بسجن وتغريم مديري مؤسسات حقوقية أجنبية، بينهم مصريون، فى قضية التمويل الشهيرة بـ"لن نركع"، تشبه نفس الحالة التي ظهر عليها كثير من المصريين بعد البدء فى تصفية ميادين الثورة وفضها بـ"إفيه" 11 فبراير 2011 ، حين تساءل الجميع: "ماذا نفعل غدا؟".
ولأن فكرة وجود مجتمع مدني ناجح تعتمد بالأساس على أفكار خلاقة وغير تقليدية فى التعامل مع أزمات الأفراد والجماعات، حضرت تجربة "تمرد" كواحدة من الأشياء "الغريبة" على الكافة، وبسرعة انتشرت كفكرة داخل أغلب الكيانات التي تعاني فسادا جراء قيادتها عبر مجالس منتخبة أو معينة، لتعيد إلى الأذهان تجربة الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، والتي استنسخت في "صحفيون من أجل التغيير" و"عمال .. فلاحون .. طلاب .. إلخ"، لتمثل نواة جديدة وقتئذ في إحياء فكرة رافضة للظلم والاستبداد والجور على الحقوق والحريات.
الأمر الملفت للنظر أن مصادر الأفكار الملهمة كثيرا ما اختفت "حركيا" ربما بفعل الزمن وترهل الحركة والتخلي عن الشارع لحساب التنظير، وكأن الأجيال المتزايدة أعدادها لدى شريحة الشباب بين 15 و 35 عاما، تتعمد تسلم الرايات مبكرا فتدفع الميادين إلى النشاط مجددا وتدفع معها ثمنا وكلفة لا يقدرها السابقون عليها، وهو السر في تغير حسابات منتمين إلى النخب السياسية والمدنية والإعلامية الفاسدة والمفسدة ممن يلعبون فى العقد الأخير من عمر ما قبل المعاش.
وحتى تفهم المنظمات التحول الحادث فى "حسابات" ومعادلة المجتمع المدني المقيد باشتراطات وتوافقات بين نظام حكم على اختلاف توجهه وبلدان العالم المتقدم المانحة أموالها لشعوب تسعى لتجنب شرور أزماتها، عليها القيام بحركة "تمرد" على أساليب عملها وتحديث مبررات وجودها قبل الانقراض، لتتجنب تقليدية مواجهة قيدها بتشريعات سوداء عبر "بيانات" تكتفي الصحف بنشرها قبل أن تتحول أوراقها إلى "قراطيس" لتعبئة الطعمية.
أعتقد أن الطريقة الباهتة التي تدير بها المنظمات أنشطتها وتستدعي خلالها الفئات المستهدفة إلى قاعات مغلقة، لم تعد الأنسب لرفع قدرات المواطنين فى مواجهة أزماتهم المتزايدة .
والخطوة التي لا بديل عنها للمنظمات الآن هي التوافق مع أفكار الشارع والعودة بنشطائها خلف شباب الثورة كما الحال لشيوخ "الإنقاذ" والأحزاب، والتعامل بواقعية مع طبيعة ومتطلبات مرحلة تتآكل فيها مفاصل الدولة وعظام المجتمع لحساب تنظيم دولي يمارس كافة أشكال القذارة السياسية بمباركة المتأخونين والمتحاورين معه.