رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلاميون والعلمانيون معًا في تونس


آل الربيع العربي ذو التسمية المضللة إلى قسمين من الصراعات المجتمعية التي ستحدد ما إذا كان الشرق الأوسط قادرا على الانضمام إلى حركة التحرير والعولمة في القرن 21.


أحدهما هو الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، بأحداثه الدامية في سوريا الذي إذا لم يتم تسويته قريبا، فإنه قد يمنع إقامة نظام جديد هناك وفي العراق ولبنان والبحرين لسنوات - أو حتى عقود.

والآخر أقل عنفا، ولكن يمكن القول إنه أكثر إلحاحا وهو المعركة على السلطة بين السياسيين الإسلاميين والعلمانيين في الدول ذات الأغلبية السنية مثل مصر وتونس وليبيا، وكذلك في تركيا. والسؤال هناك يشبه كثيرا نظيره في الحرب الطائفية: هل توافق الجانبين على تحمل وجود بعضها البعض، وخلق نظام سياسي ديمقراطي من شأنه التوفيق بين قيمهم المتنافسة؟

حتى الآن، لا تبدو الأوضاع جيدة. بدلا من بناء توافق في الآراء، يوجد استقطاب بين القوى العلمانية والإسلامية في مصر مع تنامي التطرف على كلا الجانبين.

في تركيا، أظهرت الأيام الـ 10 الماضية وجود فجوة مماثلة بين الطبقة الوسطى الحضرية والحكومة الإسلامية التي رغم بعدها عن التطرف فإنها تبدو غير متسامحة.

وعلى غرار ما فعله الرئيس المصري محمد مرسي، أيد الزعيم التركي رجب طيب أردوغان نظرية الديمقراطية الخام التي حددتها الانتخابات من أجل فرض أجندته والإطاحة بالصحفيين والقضاة والأقليات التي قد تقف في الطريق.

هل يمكن لأي شخص في الشرق الأوسط إظهار وسيلة قابلة للتطبيق مستقبلا؟ ربما لا. ولكن وقد شجعني من قبل محادثتين أجريتهما مؤخرا مع قادة من حزب النهضة الحاكم في تونس، راشد الغنوشي مؤسس الحزب ورئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي.

وظهر كل منهما متفهمين لبعض المبادئ الأساسية للحركات السياسية العربية لما بعد الثورة وخاصة الإسلاميين والتي يجب استيعابها.

الغنوشي، ذو الشعر الأبيض -72 عاما - الذي قضى معظم حياته في المنفى أو السجن، قد يكون أجرأ مفكر والأكثر تقدمية بين الإسلاميين في السلطة. وخلال حديثه، ذهب بعيدا لمقارنة تاريخ البلدان الإسلامية بالتاريخ الأوروب في العصور الوسطى.
وقال: "نحن أيضا قضينا 5 أو 6 قرون في الظلام، حيث توقفنا عن الأخذ بالأسباب. هذا التراث من الانحطاط قد زرع فكرة "العقاب هو الجزء الرئيسي من الشريعة".

"هذه هي المشكلة الرئيسية، إقناع الناس بأن الشريعة يجب أن تكون عن العدالة وحقوق الإنسان والمساواة ونشر السلام. أعتقد أن لدينا في تونس فرصة لترويج صورة للإسلام تتماشى مع القيم الرئيسية في عصرنا. القيم الحقيقية للحداثة - من القيم العلمية والعالمية – التي لا يمكن أن تتعارض مع ديننا الإسلامي".

ماذا يعني ذلك من الناحية العملية؟ كل من الغنوشي والجبالي قالا إن نقطة انطلاق حزب النهضة كانت عن طريق التخلي عن عقيدة الأغلبية مثل مرسي وأردوغان.

وقال الجبالي المرشح المحتمل للرئاسة في الانتخابات المقبلة في تونس: "علينا الانتقال من إطار أغلبية الحزب إلى غالبية المجتمعال الجبالي. وينبغي أن يكون هذا هو النهج المطبق لخمس إلى 10 سنوات قادمة. عندما نصل إلى مرحلة النضج كما في الولايات المتحدة يمكننا اعتماد مبدأ الـ 51 في المائة ".

وتفاخر الرجلان تفاخر حول التنازلات التي قدمها حزب النهضة لمد فترة المفاوضات على دستور تونس الجديد، بما في ذلك استبعاد الشريعة وإدراج حكم بشأن حرية الضمير. الدستور الآن في مسودته الرابعة ولا يزال غير مقبول لكثير من العلمانيين وجماعات حقوق الإنسان.

فوسط كل هذا، تظهر لغة غامضة لفتح الطريق أمام فرض ضوابط على حرية التجمع ووسائل الإعلام. ومع ذلك، فقد استبعد حزب النهضة تكتيك مرسي الذي أصدر النسخة النهائية من الدستور دون دعم القوى العلمانية قبل أشهر عن الموعد المحدد.
وقال الغنوشي "الثلثان أيدا الدستور المصري، ولكن لم يؤيده الثلث الأخير لأنهم لم يروا أنفسهم فيه وهذا لا نريده في تونس".

في الوقت الحالي المشكلة الأكبر التي يواجهها الحزب الحاكم ليس العلمانيين، ولكن السلفيين. فبعد تحمل حركة أنصار الشريعة المتشددة لفترة طويلة جدا، حظرت الحكومة أخيرا اجتماعها السنوي الشهر الماضي، مما أدى إلى وقوع اشتباكات في الشوارع. وفي الوقت نفسه، يقاتل الجيش الجهاديين المرتبطين بالقاعدة الذين لجأوا إلى الجبال الغربية مع الأسلحة المهربة من ليبيا.

الاضطراب يثير مسألة ما إذا كان يمكن لحزب النهضة تحقيق هدفه المعلن المتمثل في التوصل إلى اتفاق بشأن وضع دستور جديد، والتصديق عليه عبر استفتاء وإجراء انتخابات جديدة بحلول نهاية هذا العام. إذا استطاع تحقيق ذلك، فإن الحزب يمكن أن يحقق هدف الغنوشي الذي أعلنه وهو تقديم نموذج لكل العرب عن كيفية الجمع بين القيم الديمقراطية والقيم الإسلامية".
نقلا عن واشنطن بوست.
الجريدة الرسمية