رئيس التحرير
عصام كامل

بجد.. مش عاوز اكتب


حالة معقدة من الزهق والملل والاكتئاب تحاصر قلمي.. بالفعل لا أستطيع أن أمسك بخيوط كي أكتب.. كل الأفكار تهرب مني ولا أجد في رأسي أي شىء وكأن المخزون الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية من القراءة قد نفد بالكامل ترى ما السبب؟.. هل ما يحدث في مصر؟.. أم ما يحدث في الدنيا كلها؟.. صدقوني لا أجد الكتابة.
 

الطقوس التي أفعلها قبل الشروع في الكتابة كلها فشلت في استحضار الفكرة.. فنجانا القهوة.. السجائر.. الموسيقى الكلاسيكية الخفيفة.. حتى إغلاق باب الحجرة على نفسي والجنون وحدي وتمثيل كل الشخصيات والأدوار.. وكذلك ألعابي الصغيرة.. تضحكون من ألعابي.. من حقكم فكل كاتب وله جنونه.. غموضه.. ألعابه الكبيرة أو الصغيرة.. حنينه أحيانا إلى رحم غريب يستحضره لكي يبدأ في الكتابة.. وكأنه يجهز نفسه للدخول إلى العالم.. ولكن حالة الزهق والملل والاكتئاب ما زالت تمسك بي وكأنها دور برد لعين لا فكاك منه إلا بالصبر.. الصبر ليس أمر من قهوتي السادة السوداء.. ولا أمر من الظلام الذي يحيط بعقلي في تلك اللحظات.. أو كان يمر بي حقيقة عند انقطاع التيار والبحث عن فكرة ونسمة هواء مع دخان السيجارة الذي فقدت شكله في هذا الظلام.
 
الظلام الذي يلفنا جميعا الآن ونسخر منه ونحاول أن نضيء شمعة لتبدد الظلام.. قالها الحكماء في الماضي.. اشعل شمعة تبدد الظلام.. يالهم من أغبياء.. فلو بددت الشمعة ظلام الحجرة فهل تبدد ظلام الروح الذي يلفنا الآن ويلف مصر؟!
 
مصر.. تلك التي نعيش فيها.. أو كما قال البابا شنودة وطن نعيش فيه ويعيش فينا.. أصبح الكل ظلاما.. حتى النيل سيقل ماؤه أو يغور.. يغور بمعنى يقل ولا أقصد أن يغور في ستين داهية.
 
داهية.. تلك الساعات التي تمر دون أن تقدر على إسكات صوت طفل يحتضر في حضانة وأمه بجانبه تولول وتجد الناس يهرولون من الشوارع المضاءة يفردون أسلاك الكهرباء لتوصيلها بالحضانات.. أو المستشفيات لتعمل أجهزة القلب والأكسوجين للمرضى البسطاء.
 
البسطاء.. كلنا أصبحنا بسطاء.. أحلامنا.. مستقبلنا.. حاضرنا.. أصبحنا نعيش حد الكفاف في ظل الصبر المر والظلام الحالك والساعات الداهية.. هل تدركون الآن حالة الاكتئاب وأنتم ترون دموع الأم الملتاعة على وليدها.. والابن المهرول ليأتي بكهرباء لتشغيل جهاز القلب لأبيه... الدعوات على المتسبب.. الجميع يتحد في الدعاء بلا استثناء... لا بصيص نور إلا تلك الشمعة التي بجواري الآن وأرهق بصري لأكتب عليها كلمات قد تكون بلا معنى لمن يقرأ.. ولكنني بالفعل في حالة ملل وزهق واكتئاب وخوف وتوجس وترقب.. عفوا اندلق فنجان القهوة المر.. تفاءلوا فدلق القهوة خير.. يارب. 
الجريدة الرسمية