الأزمة المصرية الإثيوبية
لا توجد كلمة سوى الفشل الذريع للتعبير عن سوء الإدارة المصرية لملف مياه النيل فى العقدين الماضيين، وخاصة منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك فى أديس أبابا عام 1995، وتتجسد قمة الفشل فى تعامل مصر مع اتفاقية عنتيبى التى وقعتها 8 من دول حوض النيل حتى الآن ولم يتبق من دول الحوض الذين لم يوقعوا سوى مصر والسودان وإريتريا، ويرجع الفشل بسبب اعتماد مصر على مجموعة من الخبراء المتشنجين وبعض الدبلوماسيين الذين يتسمون بالعدوانية والعجرفة تجاه دول الحوض، ووصلت العجرفة والعدوانية إلى حد تسريب جهات غربية لأقوال أطلقها مبارك وعمر سليمان هددا فيها بضرب السدود الإثيوبية بالطائرات.
وبعد إعلان إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق كعمل هندسى ضرورى من أجل بناء السد، انفجر التشنج والصخب فى الإعلام وفى المناقشات والتصريحات، دعونا من هذا الصخب وتعالوا نناقش الخيارات المطروحة للتعامل مع هذا الواقع الجديد.
الخيار العسكرى: هذا الخيار علاوة على أنه خيار مدمر وفاشل فإنه أيضا من الصعب جدا تحقيقه، فضرب سد النهضة معناه عمل عدائى موجه ضد أكثر من 12 دولة مشاركة بالتمويل والخبرات والمشاركة فى بناء هذا السد، وفى مقدمتها الصين وفرنسا وهولندا وكندا وألمانيا والدنمارك، فهل ستترك الصين مصر تعتدى على استثماراتها ودورها الجديد والمتنامى فى أفريقيا؟، ثم إن هذا السد مؤمن بمنظومة دفاع جوى إسرائيلية تشبه برنامج القبة الفولاذى الإسرائيلى، ومن ثم فإن طائراتنا سيتم إسقاطها بسهولة على الأراضى الإثيوبية، وثالثا فإن هذا العمل سيكون عدوانا على الاتحاد الأفريقى بأكمله، والذى يؤيد دول المنبع فى حقوقها المائية العادلة، ورابعا هذا العدوان سيكون عملا عدائيا غير مبرر أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولى ومن ثم سيفتح أبواب جهنم على مصر، علاوة على أنه سيكون عملا من أعمال الحرب ضد إثيوبيا ودول الحوض قد يتسبب فى إشعال حرب نحن لا نقدر على تبعاتها، كما أنه سيعطى المبرر لإثيوبيا وشركائها للعمل معا للإضرار الشديد بمصالح مصر المائية.
الخيار القانونى: ويتمثل فى الذهاب للقضاء الدولى ضد إثيوبيا ودول المنبع الموقعة على اتفاقية عنتيبى بذريعة وجود معاهدة موقعة عام 1929، هذا الخيار ليس فى صالحنا، فمعاهدة 1929 ليست عادلة بالمرة وتم إقرارها تحت الاحتلال ولم توقعها إثيوبيا وإنما أربع دول وهى السودان وأوغندا وتنزانيا وكينيا ووقعها بالنيابة عنهم المحتل الإنجليزى فى مقابل الإدارة المصرية، ومن ثم فهى فى حكم الملغية لأنها غير ملزمة لدول الحوض، وقد دعت مصر بالفعل خبير القانون الدولى والقاضى بمحكمة العدل الدولية، الدكتور جورج أبى صعب لاستشارته فى هذا الموضوع، وكانت إجابته واضحة بأن مصر ستخسر بشكل مؤكد القضية أمام القضاء الدولى.
الخيار السلبى: وهو ما قامت به مصر فعلا، سواء بالامتناع عن التوقيع، أو محاولة عرقلة المشروع، أو إثارة المشاكل، أو تغطية الرأس مثل النعامة وكأن شيئا لم يكن.
خيار التعاون والتفاوض: وهذا هو الخيار الوحيد الواقعى والصحيح والممكن، لأن القانون الدولى والأمم المتحدة توصى بالتعاون فيما يتعلق بالتعامل مع الممرات المائية المشتركة والأنهار الدولية.. المسألة إذًا لا تحل بالتخويف والإرهاب والابتزاز، بل بالتوافق حول المنافع المشتركة للنهر وتنمية الموارد المائية والحفاظ عليها خلال رحلتها الطويلة، المسألة لا تؤخذ بالذراع ولا بالصوت العالى، ولكن بالعقل والحوار والاتفاق.
magdi.khalil@yahoo.com
نقلا عن العدد الأسبوعى من جريدة "فيتو"