ماجدة الصباح والثورة
في الحادى عشر من فبراير من عام ٢٠١١م أعلن مبارك عن سقوط نفسه وظل نظامه يقاوم هذا السقوط ربما إلى يومنا هذا. حالة الصراع احتدمت بين المتعاركين على إرث النظام الذي يقاوم.. ثوار لا يملكون خبرة تعينهم على نوائب الدهر فيما هو قادم من الأيام، وجماعات كانت تجهز نفسها في واشنطن لتحقيق وثبة شيطانية على بقايا النظام، ومؤسسات تقف في الأعالى ترقب وتخطط للحظة فارقة يكون الصيد فيها سهلا.
في هذه الأثناء وبالتحديد في شهر مارس من نفس العام كنت ضيفا أسبوعيا على أحد برامج التليفزيون المصرى، وكان ميدان التحرير يبحث في كل أسبوع عن اسم للجمعة التالية، وكنت وبصفة شخصية أرى في تكرار الاحتجاجات مكر تدفع به جهات لوصول البلاد إلى حافة الانهيار، وكنت كلما ظهرت في البرنامج أطالب بجمعة العمل دافعا في اتجاه إعادة الحياة إلى طبيعتها والتخطيط لما بعد مرحلة التثوير إلى إعداد الناخب لانتخابات وتنظيم الصفوف وما إلى ذلك من أمور تعيد الاستقرار للبلاد.
اقرأ أيضا : رجل لم يخاصم أحدا
تلقيت حينها اتصالا هاتفيا لصوت لا تخفى نغماته المعروفة على أحد، ربما كان قد أرهقته سنوات العمر الطويل غير أنه هو نفسه الصوت المؤثر الذي تعهده الأذن المصرية بل والعربية كلها.. إنه صوت الفنانة ماجدة الصباحي حيث قالت: حصلت على رقم تليفونك من زملائك الصحفيين وأردت أن أثنى على جهدك في إعادة الحياة إلى صيرورتها الطبيعية ويسعدنى أن ألتقيك.. ومنحتنى موعدا بمكتبها بعمارة الإيموبيليا بوسط البلد في عصر اليوم التالى.
كنت قد عملت بقسم الفن فترة عندما كان يشرف عليه في جريدة الأحرار شهيد حريق مسرح بني سويف الدكتور مدحت أبو بكر عليه رحمة الله، والتقيت فنانين كبارا وظلت أمنيتى في لقاء الفنانة النادرة ماجدة الصباحي دفينة سنوات العمل الصحفى.. أخيرا أنا أمام ماجدة أقبل رأسها ويدها وهي بكل تواضع تثنى على أطروحتي في جمعة العمل وتعددت لقاءاتنا بمكتبها.. كانت ماجدة تحترق خوفا على مصر.
اقرأ أيضا : ليبيا .. قلب مصر
كانت تتحدث في كل مرة عن وطن لا يستحق منا كل هذا من وجهة نظرها وكانت تطلب منى أن أكتب ما تمليه علي لأقوله في الحلقة القادمة، داعيا الشباب إلى العودة إلى بيوتهم وإلى أعمالهم.. كانت تحلم باستقرار تراه صعب المنال أمام حالة الإسهال الثورى.. وكانت منشغلة بهوية من هم في الميادين.. كانت تتحدث كما لو كانت جميلة بوحريد.. وكانت مثقفة، تعى ما تقول وهي تتمنى أن يعود الهدوء إلى الشارع المصري.
استقلت من الأحرار وقادتنا الأيام إلى إصدار فيتو كصحيفة ورقية في البداية، وأذكر أن أول "بوكيه ورد" كان من الفنانة ماجدة مهنئة بالمولود الجديد، وحرصت على إرسال النسخ الأسبوعية إلى مكتبها كل أسبوع من إدارة التوزيع الداخلى، فكانت تقرأ وتناقش ما نكتب.. تحتج وتعترض وتوافق.. كانت نبراسا لنا فيما نتناول على صفحات فيتو حتى أخذتنا الحياة إلى معارك مع جماعة الإخوان الإرهابية ونشهد الله أنها كانت دوما ضمن فريق المدافعين عن وطن لا يمكن تغيير هويته.
رحم الله ماجدة الصباحي الفنانة والإنسانة والوطنية التي فقدناها يوم الجمعة الماضي، وألهم أسرتها وشعبنا العربى كله الصبر والسلوان.