سيناريوهات الرد المصري على "عناد" أديس أبابا.. تحمل الإجابة عن السؤال الصعب: كيف تحقق القاهرة أهدافها وتحمى أمنها المائي
«اجتماع أخير وأزمة جديدة».. هكذا يمكن وصف النتائج التي خلص إليها الاجتماع الأخير بين مصر وإثيوبيا، لمناقشة أزمة سد النهضة الإثيوبي، فـ«التوتر» كان سيد المشهد بعد دقائق من انتهاء الاجتماع الذي انعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك على خلفية استمرار الأخيرة في التعنت مقابل المرونة التي كثيرا ما تعامل بها الجانب المصرى على مدار 8 سنوات، منذ بداية الأزمة، أملًا في الوصول بالمفاوضات إلى ما يرضى جميع الأطراف، وفى الوقت ذاته الخروج باتفاق عادل يحافظ على مصالح دول المصب مصر والسودان في عدم تأثر حصتهم المائية ومصالح إثيوبيا في توليد الطاقة الكهرومائية.
«أكاذيب إثيوبيا حول الاجتماع الأخير»
دفعت الخارجية المصرية للخروج ببيان شديد اللهجة ردًا على المزاعم الإثيوبية حول وقائع الاجتماعات الأخيرة، كشفت فيه التعنت والمراوغة الإثيوبية منذ بدء المفاوضات في العام 2011، واتهمت الخارجية المصرية إثيوبيا صراحة برغبتها في فرض هيمنتها على النيل الأزرق، واستخدام المياه المخزنة في سد النهضة بمشروعات أخرى غير توليد الطاقة الكهربائية، وهو جزء خطير تطرق له البيان وكشف النوايا الإثيوبية في إلحاق الضرر بمصر.
مصادر مطلعة تحدثت إليها «فيتو» كشفت أن «مصر ووسط هذا التهديد الصريح لأمنها المائي أصبحت كل الخيارات متاحة أمامها لتأمين حصتها المائية بعد تشغيل سد النهضة»، موضحة أن القيادة المصرية ستدرس عدة سيناريوهات منها اللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يمنع إثيوبيا من إلحاق الضرر بمصر جراء مشروع سد النهضة، وأضافت أن «هناك أوراقا عديدة تمسك بها مصر للتغلب على أزمة سد النهضة، أبرزها تقرير الخبراء الدوليين حول دراسات السد، والذي يحمل توقيع واعتراف مسئولين إثيوبيين، ويكشف قصور الدراسات الهندسية لجسد السد وأمانه، إلى جانب خطورته على الأمن المائي لدول المصب، وهو ما يعزز موقف مصر عند تدويل القضية أمام مجلس الأمن».
بيانات الخارجية
وفى هذا السياق أكد الدكتور محمد نصر علام، وزير الري الأسبق، أن «بيان الخارجية المصرية وجه رسالة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عن التعنت الإثيوبي وموقف المفاوضات الأخير، مفادها أن إثيوبيا ترغب في تنفيذ ما تريد في مرحلتي الملء والتشغيل، وهو أمر لن تسمح به مصر ولن تسمح بالرغبة الإثيوبية في التحكم بالنيل الأزرق، لأن ذلك من الممكن أن يصل بنا إلى مرحلة أن تبيع إثيوبيا لنا المياه في المستقبل إذا ما أطلقت يدها في مياه النيل الأزرق، لأن ترك الأمر لإثيوبيا لتتحكم في مياه النيل الأزرق سيؤثر بشكل كبير على تشغيل السد العالي».
وأشار «علام» إلى أن شبكة الربط الكهربائي التي تملكها مصر تعزز موقفها وتجعلها تواجه إثيوبيا بقوة، متوقعًا أن يتم تمديد فترة التفاوض لفترة شهر على أقصى تقدير، لمحاولة الوصول إلى اتفاق في ظل رعاية من الولايات المتحدة والبنك الدولي، وكشف الوزير الأسبق أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قررا بتوجيهات أمريكية صرف حزمة قروض ومساعدات لإثيوبيا تبلغ ٦ مليارات دولار، في محاولة لدفع الإثيوبيين لتبني موقف أكثر مرونة في مفاوضات سد النهضة، ومن المرجح أن تتوقف تلك المساعدات في حالة عدم استجابة إثيوبيا للمفاوضات، وعن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المفاوضات.
وأوضح أنها ستبقى مراقبا للمفاوضات خلال الفترة المقبلة التي يمكن تمديد التفاوض فيها رغم أن إثيوبيا لا تريد الولايات المتحدة كمراقب حتى لا تمثل ضغطا عليها، وترغب في إدخال دول المنبع في مركز المراقبة، و«أعتقد أنه في حال فشل المفاوضات المقبلة فإن مصر ستصعد الأمر إلى مجلس الأمن، ووزارة والخارجية بالتأكيد تعرض نتائج المفاوضات على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ومصر تسير في كل المسارات لتصعيد الأمر».
وتابع: كل ما يمت للقانون والأعراف الدولية في صالح مصر، ومنها اتفاقية الأنهار المشتركة لعام ١٩٩٧، واتفاقيتا ١٩٠٢ و١٩٩٣ بين مصر وإثيوبيا وإعلان المبادئ لعام ٢٠١٥ أيضا في صالح الموقف المصري، إلى جانب تقرير اللجنة الدولية لعام ٢٠١٣ الذي يعتبر الورقة الأهم، لأنه يحمل أسبابا تدفع إلى وقف إنشاءات سد النهضة لآثاره الكبيرة على مصر والسودان، مع الأخذ في الاعتبار هنا أن الخروج بقرار ضد إثيوبيا يحتاج إلى مجهود ومهارة كبيرة من الدبلوماسية المصرية نظرا لتشابك الملفات والقضايا في العالم.
مصر أقل المستفيدين
في حين أكد الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق أن مصر أقل المستفيدين من المياه في دول حوض النيل التي يتساقط عليها ١٦٠٠ مليار متر مكعب من المياه سنويا في نطاق حوض النيل فقط، منها ٤٠٠ مليار متر مكعب على إثيوبيا وحدها، بينما يصل لمجري نهر النيل ٨٣ مليار متر مكعب مياه فقط، والأمن المائي المصري مرتبط بشكل كبير بقدرة تشغيل السد العالي في فترات الجفاف، وهذه هي المسألة الأعقد في المفاوضات، والتي تسعى مصر لإيجاد حل لها.
وأشار الوزير الأسبق أيضا إلى أن «أهم الأوراق التي تحملها مصر في مسألة سد النهضة هو تقرير الخبراء الدوليين حول دراسات سد النهضة، الذي يحمل توقيع واعتراف مسئولين إثيوبيين، ويكشف هذا التقرير قصور الدراسات الهندسية لجسد السد وأمانه إلى جانب خطورته على الأمن المائي لدول المصب»، كما أوضح «أبوزيد» أن «هناك دراسات دولية تؤكد أن تأثير سد النهضة في حالات الجفاف المختلفة قد يتسبب في هبوط منسوب السد العالي إلى ما دون حد تشغيل توربينات توليد الكهرباء، وهو ما يهدد بخروجه من الخدمة، كما أن الدراسات التي وضعت من قبل الباحثين والمتخصصين في مجال المياه ذهبت إلى أن سيناريوهات تأثير سد النهضة أغلبها ستعود بالضرر على مصر في حالة عدم التوصل لاتفاق نهائي بخصوص تشغيل السد».
التعنت الإثيوبي
بدوره قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية الجيولوجيا، جامعة القاهرة: التعنت الإثيوبي بدأ من قبل الإعلان عن مشروع سد النهضة، وتحديدًا عندما رفعت إثيوبيا من مواصفات السد بشكل مفاجئ وسريع وزادت سعة خزان السد من ١١ مليار متر مكعب في فبراير ٢٠١١ إلى ٧٤ مليار متر مكعب في أبريل من نفس العام، وهو ما يدلل على سوء نية الطرف الإثيوبي.
وأكد «شراقى» أن «إثيوبيا مدانة بانتهاكها اتفاقية ١٩٩٣ التي وقعتها مع مصر والتزمت فيها بعدم إقامة مشروعات مائية تضر بمصر وإخطارنا بأي مشروعات ترغب في إقامتها على النيل الأزرق، وعدم اعتراف إثيوبيا بالاتفاقيات التي وقعت خلال القرن الماضي ليس إنكارًا منها فقط لاتفاقات المياه لكنه إنكار للحدود القائمة حاليا أيضا، فعلي سبيل المثال المنطقة الحالية التي يقع فيها سد النهضة هي في الأساس جزء من الاراضي السوداني، وتبعد ٥ كيلو مترات فقط عن الحدود السودانية الحالية.
وأضاف: مصر ستلتزم في الغالب بالمسار التي حددته من قبل، وهو اللجوء للحلول الشرعية والدبلوماسية للوصول إلى اتفاق عادل مع إثيوبيا والسودان، والقيادة المصرية ستطلب مجددا وساطة الولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات وهو ما لا تريده إثيوبيا لأنه يشكل ضغطا كبيرا عليها ويدفعها إلى المرونة بشكل أكبر في التفاوض.
نقلا عن العدد الورقي...