رئيس التحرير
عصام كامل

«خارطة طريق» للعلاقات المصرية الليبية.. 5مشروعات بحثية بين القاهرة وطرابلس.. قطار سريع بين البلدين.. فرع لـ «الجلورياد» المصرية.. إنشاء محطات تحلية مياه بأياد مشتركة.. تفعيل مشترك

فيتو

يبدو أن العلاقات المصرية الليبية في تلك اللحظة التاريخية أقرب ما يكون إلى التكامل، في ظل التقارب الذي يرعاه ويحرص عليه رئيسا الوزراء في البلدين؛ الدكتور هشام قنديل والسيد على زيدان، رغم ما اعترى المشهد مؤخرًا من توترات وما شاب تلك العلاقات من خمول مؤقت، سرعان ما انتهى إلى خطوات عملية لتكريس نمط جديد من العلاقات يقوم على المصلحة المشتركة، ويدعمه عمق تاريخ وجوار جغرافى.


وعلى الرغم من تشابه الظروف السياسية في مصر وليبيا، كون الحكومتان مؤقتتين، إلا أن الجانبين يسرعان الخطى لتأسيس قاعدة من العلاقات المستقرة، يمكن البناء عليها وتوسيع دائرتها مهما تغيرت الأنظمة والحكومات المتعاقبة بفعل الحراك الديمقراطى الذي أنتجته ثورتا الشعبين.

وفى سياق ذلك، قال السفير الليبى في مصر محمد فايز جبريل، إن بلاده تسعى حاليا لبناء علاقات قوية مع مصر من الآن، بحيث تجد الحكومات المتعاقبة فيما بعد ركيزة أساسية في التعاون المستدام بين الدولتين والمصالح المشتركة بعيدًا عما يسمى بـ"صفقات"، فليبيا لا تقل في حرصها على مساعدة مصر عن دول عربية ودول أخرى اتخذت خطوات فعلية في ذلك.

وفى هذا الإطار، دار نقاش موسع بين السفير الليبى والدكتور ماجد مصطفى الشربينى رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، حول تفعيل آفاق التعاون بين الأكاديمية وبعض المؤسسات والهيئات الليبية في صورة بعض المشروعات المقترحة ضمن مظلة التعاون والتقارب المصرى الليبى.

وأوضح "جبريل" أنه تم ترشيح بعض المشروعات المهمة المقترحة للتعاون بين مصر وليبيا بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية، لتغطى خمسة مجالات حيوية يمكن اعتبارها أساسا لأى تعاون مستقبلى، باعتبارها الوعاء الذهبى الذي يستوعب كافة القطاعات الإستراتيجية التي يمكن تبادل الخبرات بشأنها.

ويمكن اعتبار المجالات الخمسة التي يجرى التعاون خلالها بين مصر وليبيا خارطة طريق واضحة المعالم، حيث تضم التعاون بين المؤسسات العلمية والفنية، بالإضافة إلى التعاون في مجال البنية التحتية والصحة والاقتصاد والتعليم.

ويشمل المخطط الأول للتعاون بين المؤسسات العلمية والفنية، وضع إستراتيجية لمنظومة وسياسات البحث العلمي لتطبيق الدورة الكاملة للعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تطوير وتحديث المراكز البحثية الليبية واستكمال باقي مكونات المنظومة البحثية.

كما يشمل المساهمة في إنشاء الأكاديمية الليبية للبحث العلمي والتكنولوجيا بمشاركة العلماء الليبيين بالداخل والمغتربين، بالإضافة إلى إنشاء مكتب للملكية الصناعية لبراءات الاختراع والعلامات التجارية.

فيما يشمل التعاون في مجال البنية التحتية، تمديد شبكة "الجلورياد" لأكاديمية البحث العلمي المصرية إلى المؤسسات البحثية والتعليمية الليبية لخدمة أنشطة البحوث والتعليم الليبية وربطها بدول العالم، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية تنمية المدن الشمالية الليبية عن طريق إنشاء خط قطار سريع للربط بين المدن الليبية والمصرية.

وفى إطار دعم البنية التحتية الليبية بخبرات مصرية فإنه يمكن وفقا لخارطة الطريق، إنشاء محطات تحلية مياه البحر مماثلة للمشروعات العملاقة في الدول المجاورة باستخدام تكنولوجيا "النانو تكنولوجي"، ناهيك عن توفير الابتكار المصري الجديد لأجهزة توفير المياه الباردة من بخار الماء بالهواء باستخدام الخلايا الشمسية.

أما في مجال الصحة فتوضح خارطة الطريق المصرية الليبية أن التعاون في هذا المجال يشمل الاشتراك في تطوير أحدث معالج إلكتروني لعلاج الأورام بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي المصرية ومركز البحوث النووية الأوربي، كما يشمل تفعيل منظومة وطنية للتعرف على المخاطر البيئية وآثار الحروب وملوثاتها والأمراض الناجمة عنها، مثل التشوهات والصحة الإنجابية وغيرهم.

أما في مجال الاقتصاد، فتؤكد خارطة الطريق ضرورة استعادة دور الزراعة في الاقتصاد القومي الليبي، عن طريق الاستفادة من المياه المحلاة في زراعة الأراضي بالقمح والزيتون على غرار مشروع تطوير الساحل الشمالي لمنخفض القطارة بمصر، بالإضافة إلى الاستفادة من الحملات القومية للمحاصيل الاقتصادية والتي تنفذها أكاديمية البحث العلمي لزيادة الإنتاجية.

كما يشمل التعاون في المجال الاقتصادي، التوسع في صناعة البتروكيماويات لمخرجات البترول الليبي وإنشاء مركز بحوث للبترول بالتعاون مع مثيله المصري، بالإضافة إلى رسم خريطة تعدينية للموارد الطبيعية وتطبيق أحدث التطبيقات الصناعية للاستفادة منها. 

فيما يشمل التعاون في مجال التعليم، الاستفادة من مبادرة "ميلينيم" العالمية للتعليم الإبداعي للعلوم بالمدارس بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي، والتي تقوم بتنفيذ المبادرة في المدارس المصرية حاليا.

كما توضح خارطة الطريق للتعاون بين مصر وليبيا، إمكانية توفير خدمات شبكة جلورياد والنشر العلمي بالأكاديمية لمؤسسات التعليم والبحث العلمي الليبية، ووفقا لخارطة الطريق التي تضم المجالات الخمسة الحيوية للتعاون بين مصر وليبيا، فإن شركات الاستثمار الليبية الحكومية العاملة في مصر، يجب أن تبدأ في الاستفادة من تلك المشاريع وتنظيم جلسات عمل متتالية، بهدف الوصول لشكل نهائى للتعاون يمكن الاتفاق عليه بعد موافقة الحكومة الليبية.

وليس ثمة شك في أن تنفيذ المجالات الخمسة الإستراتيجية للتعاون، بما تتضمنه من منافذ تكرس تضافر الجهود بين الجانبين المصري والليبي للارتقاء بمستوى العلاقة التاريخية، يعد ترجمة واضحة لما وعد به رئيس الوزراء الليبي السيد على زيدان خلال زيارته لمصر في مايو الماضي بأن التعاون بين البلدين في شتى الجوانب سوف يكون تعاونا فعالا، ومؤسسا على الرؤية الموضوعية للتعاون وأن هذا التعاون الإستراتيجي سيكون مبنيا على المصلحة المشتركة بدراسة وبتمحيص وبتحديد للالتزامات، وأنها سوف تكون علاقة تحكمها ضوابط العلاقات الدولية، وتزينها معاني حسن الجوار والأخوة والحرص المشترك.

وليس ثمة شك في أن العلاقات المصرية الليبية تعد نموذجا يحتذى به لعلاقات موغلة في القدم بين دول الجوار على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية، وفى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ساعدت على حركة السكان والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، مما يؤكد المصير الواحد والمشترك لهما.

وعلى الرغم من أهميتها، لا تبدو خارطة الطريق للتعاون المصري الليبي نهاية لطموح البلدين في تطوير العلاقات الثنائية، حيث يؤكد السفير الليبي في مصر محمد فايز جبريل أن بلاده لديها طموح لإنشاء منطقة حرة مع مصر تبدأ من العلمين غربا إلى طبرق الواقعة شرق ليبيا.

وأوضح أن تلك المنطقة الحرة في حال اكتمالها فإنها تقدم مثلًا جيدًا للتعاون بين البلدين، مشيرا إلى أن هناك مشاريع كثيرة يجرى العمل على إنجازها باعتبارها من أولويات ركائز بناء علاقات صحيحة تحديدا في مناطق الحدود، حيث تتشابه البيئة والإنسان من حيث اللهجات والعادات والتقاليد والانتماء أيضا.

وأوضح السفير جبريل أنه "إذا كانت الدولة الوطنية الحديثة قد فرقت بين مصر وليبيا، إلا أن العلاقات والتعاون يعيدان المياه إلى مجاريها"، وهو طموح مشروع يجب العمل على كافة المستويات الرسمية والشعبية لإنجازه، فمصر "الرسمية" كانت حريصة دائما على التشاور والتنسيق السياسي مع ليبيا، من أجل بلورة رؤى مشتركة وفعالة دوليا وإقليميا، حيث إن البلدين تجمعهما تقاطعات عديدة عربية وإفريقية ومتوسطية، وهو ما يعزز القناعات بضرورة تحقيق تقدم ملموس في علاقات التعاون الثنائي بينهما في العديد من المجالات المهمة.

 وتأتى الزيارة التي يقوم بها خالد الأزهري وزير القوى العاملة والهجرة حاليا إلى ليبيا، ضمن بروتوكول التعاون الذي جرى التوقيع عليه بالقاهرة لتفعيل الربط الإلكتروني بين وزارتي العمل في البلدين، ضمن هذا الإطار الهادف لتفعيل العلاقات بين ليبيا ومصر في كافة المجالات.

وتعتبر هذه الزيارة حلقة ضمن سلسلة زيارات يجرى ترتيبها لعدد كبير من وزراء الحكومة المصرية للقاء نظرائهم الليبيين، وبالتبادل بين البلدين، تمهيدًا للقاء وزاري مشترك وموسع برئاسة رئيسي الوزراء خلال الشهر الجاري.
الجريدة الرسمية