القبطان أحمد خليفة عبد العزيز يكتب: مفهوم الأمن الصناعي من الفراعنة حتى عبد الناصر
يعتقد البعض أن مصطلح الأمن الصناعي والسلامة المهنية من المصطلحات المستحدثة، والذي كان معروفًا جدًا إبان الثورة الصناعية آنذاك، لكن الأمن الصناعي بدا ظهوره في عهد القدماء المصريين فهم برعوا في كل العلوم.
ووجد في مقابر الفراعنة بعض أوراق البردي مسجلا بها موضوع تعرضات العاملين للصناعات المعروفة والمتواجدة في هذا الوقت والتي تؤدي إلى تغييرات مرضية تصيب العاملين بها.
لذلك فهم أول من كتبوا وسجلوا بعض الأمراض التي تصيــب العاملين في الصناعات التي كانت مقامة في ذلك الوقت، حيث وجد في بردية تم اكتشافها فى مقابر القدماء المصريين وصف دقيق و شامل للمرض الذي يصاب به عمال سن الاسلحة و قد اطلقوا عليه مرض تليف الرئة الذي ينشأ من استــــنـــشــــــاق الغبار المتطاير في جو العمل في هذه الصناعة.
"القوى العاملة": "صحتك غالية علينا" تصل أسيوط لنشر ثقافة السلامة المهنية بين العمال
كما تم تدوين الطريقة المثالية لتجنب والحد من هذا المرض لهذه الصناعة، ووجد أيضا في بردية أخرى وصف لتشوهات العمود الفقري عــند الفنانين العاملين على الآلات الموسيقية الضخمة في المعابد حيث يستلزم عملهم انحناءات جسمانية تـــنــتهي بالتشوهات المذكورة، وأيضا تم وضع الحلول الهندسية للحد والتجنب من هذا المرض المهنى.
كما جاء في البردية أيضا ذكر لإصابة الحمالين بالبصاق الدموي نتيجة للحمولة الضخمة التــــــــي يحملونها والجري بها وألا تعرضوا لسياط الملاحظين، وتم وضع الحلول الهندسية لتجنب هذا المرض والحد منه.
وحين بدأت الثورة الصناعية في أوروبا وانتقل الفلاحون بكثرة إلى المدن حيث الصناعة هربا من الاستعباد الذي كانوا يواجهونه من الإقطاعيين أصحاب الأراضى، بدأت تظهر حوادث كثيرة تؤدي إلى إصابة هؤلاء المهاجرين الذين ليست لهم معرفة بالصناعة وإخطارها، وكانت المصانع تعج بمختلف أنواع المخاطر وكان الرأى السائد أنه إذا وقعت حادثة وأن المصاب كان سببا فيها فان صاحب العمل لا يلتزم بأية مسؤولية على الاطلاق.
وحينما زادت الحوادث بشكل مفزع وأصبح الكل يتحدث عنها، جرت قوانين وتشريعات تلزم أصحاب المصانع بتعويض المصابين عن الحوادث حتى لو كانوا سببًا في حدوثها.
وحين أخذ أصحاب المصانع بتحسين ظروف العمل بدلا من التعويضات التي يدفعونها للمصابين مما قلل من عدد الإصابات، إلا أن نسبة الحوادث عادت مرة ثانية للارتفاع بسبب كثرة المواد العضوية والكيميائية التي أدخلت في العمليات الصناعية والتوسع في الاعتماد على الآلة في عملية الإنتاج بالإضافة إلى سبب رئيسي آخر هو عدم معاملة الأمن الصناعي “إداريا” بالتساوي مع أهم أهداف المنشأة وهو الربح.
وفى مصر خاصا وهو المحور الرئيسى للتحدث اليوم عن هذا الموضوع الذى تتكاثر فيه الأحداث والتطورات إلى أن وصلنا إلى ثورة 52 والرئيس جمال عبد الناصر ونهضة مصر من زراعية إلى بلد صناعية وهى ما كنا نطمح إليه ونمشى إليه بخطوات واسعة ودائبة على تطوير البلاد تطويرا صناعيا وذلك لتحسين مستوى المعيشة ورفع دخل الفرد وظهرت مشكلات الأمــــــــن الصناعي واضحة وجلية مما حدا بالدولة الاهتمام بالأمن الصناعي.
وإذا تتابعنا تطورات الأمن الصناعي في الفترة الأخيرة نلاحظ مسايرة التشريعات والتخطيط لوضـــــــع الإدارة الكفيلة بالتنفيذ السليم الشامل الذي يحقق الهدف الأساس للأمن الصناعي بحماية كاملة للقوي العامــــــلة من حوادث العمل و الامراض المهنية و توفير الرعاية و الخدمات الطبية و الوقاية الصحية الشاملة بهذه الــــفئة من المواطنين وهم الدعامات الأساسية لعناصر الإنتاج ولمجهوداتهم علاقة وثيقة بالتنميـــــة الإنتاجية.
ومن هنا كانت حكمة التشريع فيما اتجه إليه الأمن الصناعى فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فمنذ التفكير فى بناء المصانع وخروج الأفراد من الأراضى الزراعية إلى المصانع فبدء إنشاء المركز القومى للأمن الصناعى وهو كان المنوط به تأمين العاملين بالمصانع وتدريبهم على المخاطر المتواجدة فى البيئة الصناعية ولذلك سمى الأمن الصناعى.
ومع تطور الأحداث ودراسة المواقف والحوادث التى تتم من خلال الأعمال المتنوعة والكثيرة من تجارة ونقل وتفريغ ومستشفيات ومدارس وإنشاءات وعدد صغيرة وحرف متنوعة والمعامل والتعامل مع الأحماض والكيماويات وغيرها فبدأ التفكير فى دراسة جميع الأخطار المتواجدة فى الأنشطة المختلفة وتم وضع المعايير المثالية للتشغيل والخطوات المثالية للوصول إلى بر الأمان.
كما بدأ التفكير والتنفيذ فى تغيير اسم المركز القومى للأمن الصناعى إلى المركز القومى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل ليكون الاسم الجديد أشمل وأوقع للدراسات التى تقدم به والإعانة والمعاونة لكل نشاط موجود، وجميعها تهدف للحفاظ على حياة الإنسان ومحتويات المنشأة من أصول ثابتة وخامات متنوعة.