رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

استفادة إيران من اغتيال سليماني

لا ينكر عاقل الضربة القاسمة التي تلقتها إيران باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ليس لأنه الأقوى في الدولة بعد "الولي الفقيه" علي خامنئي، بل لكونه القائد العسكري الذي أعاد الهيبة الإيرانية وبسط هيمنتها بعد زوال الإمبراطورية الفارسية.

 

ينظرون في إيران إلى سليماني بإجلال واحترام كما ينظرون إلى الملك داريوش، الذي ضم إلى الإمبراطورية الفارسية كل من غرب الأناضول، بابل، فلسطين، وجميع دول الشرق الأدنى، وبسقوط داريوش انهارت الإمبراطورية تدريجيا، إلى أن جاءت ثورة الخميني في العام 1979 وانضم إليها قاسم سليماني، عامل البناء الحاصل على الثانوية العامة، ثم شارك في الحرب الإيرانية العراقية وأبلى بلاء حسن، فتمت ترقيته ليصبح من القادة العشرة المهمين، وانضم بعدها إلى "الحرس الثوري"، الذي تأسس لمنع الجيش من القيام بانقلاب، وتدرج حتى تولى قيادة فيلق القدس، وبات مسؤولا عن العمليات العسكرية السرية خارج الحدود.

 

اقرأ ايضا: السيستاني و"حمام الدم" العراقي

 

 نجح سليماني في بسط نفوذ إيران على بلدان عربية ومساحات واسعة في الشرق الأوسط، واستطاع خلال ثلاثة عقود  "توسعة الهلال الشيعي" ليمتد من طهران، إلى العراق، لبنان، سورية، اليمن، غزة وغيرها، وبات قولا وفعلا رجل إيران الأقوى والأوسع نفوذا بعد "الولي الفقيه". لكنه مع هذا تسبب بمؤامراته وخططه الإرهابية وتأسيسه المليشيات الشيعية في كثير من الدول العربية، في قتل الآلاف من المسلمين السنة، خصوصا في السنوات العشر الماضية. كما أزهق أرواح الكثيرين من القوات الغربية في سبيل تنفيذ خططه للحفاظ على مكتسبات "ولاية الفقيه".

 

تدرك إيران حجم الخسارة الفادحة بإغتيال سليماني، فلم تفقد قائداً لأذرعها في الشرق الأوسط بحجمه وقدرته وأفكاره وميليشياته، التي مكنت إيران من السيطرة على أربع دول عربية، فضلا عن ميليشيات في دول أخرى يحركها كيفما شاء. لكن الخسارة الفادحة لم تمنع "الولي الفقيه" من الاستفادة القصوى من موت سليماني، وتوظيف إغتياله لصالح النظام، الذي يعاني داخليا وخارجيا وبات في أضعف حالاته.

 

للمرة الأولى ترأس خامنئي اجتماع مجلس الأمن القومي الإيراني، وبعدها مباشرة بدأت تصريحات الثأر لدم سليماني ضد مصالح أميركا في المنطقة كلها، وعلى الفور وجه الموقع الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي رسالة في منتهى الخطورة إلى جميع الشيعة، بنشره رسماً لصورة سليماني بعد إغتياله، يجسّد الإمام الحسين وهو يستقبل سليماني ويحتضنه في الجنة، الرسم يثبت أن سليماني "شهيد ومكانه الجنة مع الحسين"، ويكرسه رمزا دينيا ومحاربا مقدسا عند الشيعة، والأخطر منها فحوى الرسالة التي أرادها خامنئي!!.

 

وبينما استقبل الشارع "السني" خصوصا في سورية والعراق، مقتل سليماني باحتفالات في الساحات والميادين، تصدر هاشتاغ "قاسم سليماني إلى الجحيم”، و”هلاك قاسم سليماني" كثير من الدول العربية والخليجية، أما في الشارع "الشيعي" فكان المشهد مغايرا تماما، فمن محاولات اقتحام السفارة الأمريكية إلى التهديدات وتحضير تشييع غير مسبوق.

 

 ووسط هذا وذاك تجلت التعليمات الإيرانية للميليشيات والأذرع في لبنان، سورية، العراق، اليمن، غزة، والحلفاء قطر وتركيا وغيرهما، لبدء التنديد بالجريمة والتهديد بالثأر للشهيد وتتوالى المعزوفة من بلد لآخر، بعد تلميح مسئولين إيرانيين بالثأر لسليماني عبر وكلاء في المنطقة، أو ما تصفه إيران بـ "محور المقاومة"، حتى أن زينب ابنة سليماني أطلت عبر إحدى القنوات التابعة لـ "حزب الله"، قائلة "سلامنا إلى عمنا العزيز السيد حسن نصرالله الذي أعلم أنه سيثأر لدم والدي".

 

واقرأ أيضا: طوفان لبنان يجرف عهد إيران

 

وأعادت الكلام نفسه في تشييع والدها بالعاصمة طهران، مطالبة كل من حسن نصر الله أمين عام حزب الله في لبنان، إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، زياد نخالة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بشار الأسد الرئيس السوري، هادي العامري رئيس منظمة بدر العراقية، وعبدالملك الحوثي زعيم مليشيات الحوثي اليمنية، بالثأر لمقتل أبيها قاسم سليماني.

 

تريد إيران قطعا الثأر لسليماني، الذي أدار بنفسه عمليات عسكرية وتفجيرات إرهابية عبر مليشيات في العراق، سورية، لبنان، اليمن، غزة، أفغانستان وغيرها. لكنها ترغب في الرد والانتقام دون أن تنزلق إلى حرب لن تصمد فيها بالنظر إلى اقتصادها المتدهور تحت وطأة العقوبات الأميركية، وهو ما أشار إليه الرئيس ترامب في تغريدة "إيران لم تكسب حربا، لكنها لا تخسر المفاوضات".

 

 وبعد التهديد والوعيد بدأ التراجع الإيراني نحو المطالبة بإلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران مقابل عدم الانتقام منها.

كما بث التلفزيون الإيراني نشيد الحرب الإيرانية - العراقية. لمحاولة تجييش مشاعر الشعب الإيراني، والتفافه حول القيادة في المرحلة الحرجة التي تمر بها طهران، مشيرين إلى أن جميع الاحتمالات واردة بما فيها الحرب الشاملة.

 

وبعد السخط على النظام في لبنان والعراق وإيران نفسها في الأشهر الثلاثة الفائتة، وجد "الولي الفقيه" في مقتل سليماني فرصة لا تعوض لشد العصب الفارسي وجمع الشارع الشيعي مرة أخرى حوله، فكان التعامل الأمثل والمدروس للإيرانيين مع تشييع سليماني، بدء من اللافتات والصور في شوارع طهران والمدن الإيرانية، وفي العراق ولبنان واليمن وحتى غزة، إلى مرور جثمان سليماني في "الأهواز" الإيرانية المعارضة للنظام ومشاركة حشد غير مسبوق في التشييع، ومحاولة التأثير على الشيعة عامة بمشاهد بكاء خامنئي، وهو يصلي على جثمان سليماني.

 

نجح الإعلام الإيراني في جمع الشيعة مجددا حول "الولي الفقيه"، واختفى شعار "إيران بره بره والموت لخامنئي" وحل بدلا منه هتافات ضد أميركا وإسرائيل والسعودية، لكن تضارب تصريحات قادة إيران يؤكد الذهول والارتباك من خسارة فادحة بمقتل سليماني، وان الحرب لن يتحملها الشعب ولا النظام.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية