دور الآثار الإسلامية في تجديد الخطاب الديني
تعاني الأمة الإسلامية حالياً من التطرف والتعصب الأعمى من قبل بعض الجهلاء بالدين الذين يستخدمونه للوصول لأهداف غير نبيلة تحمل أذى للإسلام والمسلمين وغير المسلمين في العالم، لذلك ينادي الكثير بتجديد ما يُعرف بالخطاب الديني وهو مصطلح من وجهة نظري غير علمي ولا يؤدى إلى الهدف المرجو منه، فالمصطلح الأكثر دقة من وجهة نظري هو "تجديد علوم المسلمين" كالفقة واللغة والكلام والشريعة
وأكدت نادية عبد الفتاح، مفتشة آثار بمشروع القاهرة التاريخية، أن العالم الإسلامي تعرض في العصور الوسطى لأمور مشابهة لما نعاني منه حالياً، حيث كان هناك صراع بين المذهب السني والشيعي، مما دفع المسلمين السُنة على إنشاء مدارس لتدريس المذاهب الإسلامية الأربعة أي الآراء العلمية للفقهاء الأربعة، فقد كانت نظرة العلماء المسلمين للقرآن الكريم نظرة علمية بحته فهو كتاب علمي أخلاقي تشريعي له ترتيبان تريبت نزول وترتيب موضوعات وهو الذي بين أيدينا، وكان لطريقة ترتيب القرآن بهذا الشكل سبباً في تشيجع العباد على ثقافة منهج البحث العلمي في جميع العلوم.
العثور على 5 كتل حجرية أثرية في سوهاج | صور
وأشارت إلى أن العلوم تتطور بتطور الزمن، ونضج العلم على اختلاف درجاته، فأصبحت هناك مواد تستدعي في دراستها كثيراً من الحوار والنقاش والجدل كعلم الكلام والمناظرة، ومثل هذه المواد تتنافى في طبيعة تدريسها على ما يجب أن يكون عليه رواد المساجد من هدوء، بالإضافة إلى إزدياد إقبال الناس على حلقات العلم حتى حفلت العديد من المساجد بحلقات دراسية، مما أدى إلى عدم إحتمال المساجد للصلاة والتدريس معاً، فخصص الأساتذة في منازلهم مكاناً يلتقون بطلابهم فيه، ولكن لكثرة عدد الطلبة ضاقت بهم منازل الأساتذة فأنشأت أماكن مستقلة للدراسة وهي المدارس.
وأضافت: إختلف المؤرخون حول تاريخ نشأة المدرسة في الإسلام فمنهم من يرى أن نظام المُلك وهو الحسن بن علي بن اسحاق بن العباس أبو علي الطوسي المتوفي 485هـ/1092م الذى تولى منصب الوزراة في العصر السلجوقي وتحديداً في عهد السلطان ألب أرسلان ومُلكشاه أول من أنشأ المدارس في الإسلام حيث بنى مدرسة ببغداد عام 457هـ، في حين يرى بعض المؤرخين أن أول المدارس أنشأت كانت في مدينة نيسابور، حيث بُنيت بها أربعة مدارس قبل مدرسة نظام المُلك ببغداد.
وعن أسباب إنشاء المدارس:
لم يقتصر دوافع إنشاء المدارس النظامية على سبب واحد بل كان هناك أسباب عديدة دفعت نظام المُلك إلى الإسراع بإنشاء هذه المدارس في بغداد والمشرق الإسلامي، وهذه الإسباب كانت عقائدية من الدرجة الأولى فهي لمناهضة المذاهب الشيعية المختلفة التي أنتشرت في العالم الإسلامي،إضافة إلى أسباب شخصية وسياسية.
مدارس مصر في العصر الإيوبي:
لم تُعرف المدرسة كمؤسسة تعليمية إلا مع تولي صلاح الدين حُكم مصر وقد استقطب صلاح الدين العلماء والفقهاء للحضور إلى دولته وأمتد هذا الأمر طيلة العهدين الأيوبي والمملوكي (569-923هـ /1123-1517م)، وتسابق على إنشائها الملوك والأمراء والوزراء ورجال الدولة الأغنياء، كما ساهم أغنياء التجار في إقامة دور العلم، كما ساهمت سيدات الأسرة الإيوبية مساهمة مثمرة في تشييد المدارس.
تمثل تأثر صلاح بالسلاجقة في الإكثار من بناء المدارس في مصر فقد كانت موجودة بالفعل في مصر وإن كانت قليلة إلا أنها لم تأخذ الشكل الوظيفي الرسمي إلا في العصر الإيوبي وقد بلغ عدد المدارس التي أنشأت في مصر والقاهرة بالعصر الإيوبي 24 مدرسة، لم يتبق من تلك المدارس التي ترجع إلىتلك الفترة غير المدرسة الكاملية التي أنشأها السلطان الملك الكامل ناصر الدرين محمد ابن الملك العادل وذلك عام 622هـ/1225م) في بين القصرين (شارع المعز حالياً) وتُعرف بدار الحديث الكاملية وهي ثاني دار عملت للحديث ، فالأولى أنشأها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي في دمشق وهي أول دار للحديث على وجهة الأرض.
وقرر الملك الكامل بها مذاهب الأئمة الأربعة والخطبة ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي ثم من بعدهم فقهاء الشافعية ، كما لم يتبق من العصر الأيوبي غير مأذنة المدرسة الصالحية وهي مدرسة أنشأها الصالح نجم الدين أيوب في شارع بين القصرين مكان القصر الفاطمي الشرقي وذلك عام 639هـ/1241م و قد أستوحى الصالح نجم الدين أيوب فكرة هذه المدرسة من المدرسة المستنصرية ببغداد حيث وقفها على تدريس المذاهب الأربعة في مكان واحد وتأتي أهمية هذه المدرسة أنها أتاحت الفرصة للحنابلة كي يسهموا في حركة إحياء المذهب السني في مصر فلم تكن تلك الفئة حتى تاريخ إنشاء هذه المدرسة لم يهتم بها السلاطين الإيوبيين الأوائل وربما يرجع ذلك لأنهم كانوا أقلية في مصر.
وجميع المدارس التي أنشأها صلاح الدين في مصر والقاهرة كانت مجاورة لأماكن العبادة والتبرك سواء كانت مجاورة لجامع عمرو بن العاص أو لضريح الإمام الشافعي أو للمشهد الحسيني وهذا يعكس بُعد نظر صلاح الدين وربطة المدارس السنية الجديدة بأماكن العبادات التي كان لها إحترام في نفوس المصريين.
تخطيط المدارس في العصر المملوكي:
وكان لإنشاء المدارس في العصر المملوكي دور كبير في تطور العمارة الإسلامية، وكذلك أثر كبير في إزدهار الحياة العلمية، ففي مصر عُرفت المدارس منذ أواخر العصر الفاطمي، وإنتشرت في العصر الإيوبي، وكثرت كثرة بالغة في العصر المملوكي، وكان تصميم المدرسة في العصر المملوكي يمثل في الغالب أربعة أيوانات متعامدة متقابلة أكبرها إيوان القبلة وأصغرها الإيونان الجانبيان ويتوسطها صحن مكشوف يتوسطته ميضأة لها قبة، وأُلحق بالمدرسة مدفن المنشئ، وسبيل يعلوها، ومكتب لتعليم الإيتام، ومساكن للطلبة والمدرسين، ومثال لذلك مدرسة السلطان حسن، وقيل أن طول إيوانها الكبير حوالي 65 ذراعاً وعرضه مثله، ويقال أنه أكبر من إيوان كسرى بخمسة أذرع.
ومع ذلك وجدت مدارس اشتملت على إيوانين معقودين، وآخر مسقوفين ذوي عمد وعقود، أو إيوانين معقودين شرقي وغربي، وآخرين صغيرين تكتنفهما حجرات.
وكثير من الباحثين ربطوا تخطيط عمارة المدارس لاسيما في عدد الإيوانات وبين عدد المذاهب التي تُدرس بها، فمثلاً المدارس ذات الإيوان الواحد خُصصت لتدريس مذهب واحد، وذات الإيوانين لتدريس مذهبين، وذات الاربع إيوانات لتدريس أربعة مذاهب، وفي الواقع لا يوجد علاقة بين عدد الإيوانات وعدد المذاهب التي تُدرس بها بمعنى أنه قد تكون هناك مدرسة رباعية الإيوانات ومع ذلك لا يُدرس فيها سوى مذهب واحد مثل المدرسة الصرغتمشية (757هـ/ 1356م).، ويؤكد ذلك ما ورد في وثيقة الأمير صرغتمش انها تخصصت في تدريس مذهب الإمام ابو حنيفة حيث يقوم بتدريس المذهب ثلاث معيدين.
أو مثل مدرسة المنصور قلاوون (683هـ/1284م) بشارع المعز ذات إيوانين ولكنها خُصصت لتدريس المذاهب الأربعة، فقد ورد في وثيقة المدرسة أنها تتكون من إيوانين متقابلين قبلي وبحري إلات أنه رُتب بها تدريس المذاهب الأربعة، بالإضافة إلى تدريس علم الطب.
ومجمل القول أن عدد الإيوانات في المدارس المختلفة لم يتربط في أغلب الأحيان بعدد المذاهب لأن ذلك على رغبة الواقف فقط لأنه وحده هو الذي يحدد ويقرر المذهب أو المذاهب التي تُدرس في المدرسة.
وجرت العادة أن يتم غفتتاح المدارس في إحتفال يتفاوت في عظمته وقيمته بتفاوت أقدار المؤسسين، خاصة إذا كان من السلاطين أو من كبار الأمراء والأعيان لحضور الإحتفال ببدء الدراسة، ويتقدم السلطان أو الأمير المنشئ في ركب ويتصدر مجلساً بالدار المُفتتحة، وتمد الموائد وقد يلقى بعض الشعراء أبيات مناسبة للمقام.
وغالباً ما كان يقوم المدرسون بإلقاء دروسهم بحضرة السلطان أو المنشئ، وكان السلطان يقوم بالإنعام بالخُلع على من شارك في بناء المدرسة، ومن سيقوم بالتدريس بها.