رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد جمال الدين



الذين يكتبون التاريخ فى مصر، منافقون غالبا، يداهنون سلطانًا جائرًا، يتقربون إليه زلفى، بالأكاذيب والأوهام، يعظمون من شأنه، وينالون ممن لا يدورون فى فلكه، ومن أجل ذلك، سقطت من ذاكرة التاريخ المصرى، حقائق كثيرة، استبدلها المؤرخون المنافقون بأكاذيب أكثر.

فى التعديل الوزارى الأخير، تمت الإطاحة بوزير الداخلية السابق اللواء أحمد جمال الدين، بعد شهور قليلة جدًا، من توزيره، عقابًا له، على أداء دوره بوطنية وإخلاص شديدين.
لم يشأ "جمال الدين" أن يكون مطية لمكتب الإرشاد، أو أداة فى أيدى الباطشين الغاشمين، أراد أن يكون صاحب موقف لا يحيد عنه، وصاحب مبدأ لا يتراجع عنه، ولكن فى زمن "السمع والطاعة"، لا ينبغى أن يكون لمثل هذا الرجل مكان، يجب أن يرحل، مصحوبا باللعنات.
رفض "جمال الدين"، أن يتورط جنوده فى قتل المتظاهرين، الذين زحفوا على قصر "الاتحادية"، فى موجة غضب منطقية ضد حكم الرئيس "مرسى"، كما رفض تسليح أعضاء حزب "الحرية والعدالة" لتأمين مقار الحزب، التى تم إحراقها فى ظروف غامضة، وسط تأكيدات بأن الإخوان هم من أحرقوها، للتعمية على أحداث "الاتحادية".
رفض "جمال الدين" أن يقتحم الغرباء وزارته، ويفرضوا عليه هيكلة جديدة، أو ما يسمونه تطهيرًا، رغم أنهم الأولى بالتطهير، تمهيدًا لتطهير مصر منهم.
رحل "جمال الدين"، عن منصبه، إرضاء لـ"حازم صلاح أبو إسماعيل"، الذى تطاول عليه باللفظ، بعد اتهام "حازمون" بالتورط فى أحداث حريق مقر حزب "الوفد"، ولو كنا فى دولة محترمة، لتم القبض على "حازم" وأشياعه، ومحاكمتهم، ولكن فى ظل دولة الفوضى، يجيء الباطل، ويزهق الحق، ويصبح الحق زهوقًا.
إن إبعاد وزير من منصبه، لأنه لا يمالئ ولا يهادن، ولا ينافق ولا يطأطئ الرأس، لمرشد الجماعة وأذنابه، يعكس الحالة المزرية التى وصلت إليها الأمور فى مصر، فلا ثورة قامت، ولا شيء تغير، ولا أمل فى غدٍ قريب.
رحل "جمال الدين"، كما رحل قبل ربع قرن اللواء "أحمد رشدى"، لأنهما من فئة "الرجال المحترمين"، فى زمن عزّ فيه الرجال، وعزّ فيه المحترمون.

الجريدة الرسمية