عبدالرحمن الأبنودى يكتب: كنا نرفع صليبا من الجريد
فى كتابه "أيامنا الحلوة" كتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودى مقالا عن المشاركة بين المسلمين والأقباط فى الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح وكيف تتوحد القلوب بينهما قال فيه:
ولدت ونشأت فى قرية تعيش على الطقوس التى حملتها معها بأمانة عبر الزمن، اخترقت حواجز الأزمنة واجتازت تضاريس القرون، وهى تحقق بتلك الطقوس وظائف حياتية ودينية محددة والحديث عن طقوس قريتى لا ينتى فإنها تغلف حياة انسانها منذ الميلاد حتى الموت، ولأن قريتى عاشت كبدن واحد تمتزج هموم مسلميها بمسيحييها فى مواجهة الحياة الشاقة، ويعود الفضل فى ذلك إلى النهر العظيم الذى لم يكبح جماحه إلا منذ سنوات قليلة فقد كان غضب النيل لا يفرق بين مسلم ومسيحى أو بين من يملك ومن لا يملك لذا سقطت المسافات بين لابس العمة وواشم الصليب .
أهل قريتنا أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية يعمل مسلموها بالزراعة ونقل الغلال وتجارة الحبوب ، أما مسيحيوها فهم ورثة صناعات المصريين القدماء من صباعة ودباغة وغزل ونسيج ، لم يعلمنا أحد حب النصارى وإنما خرجنا إلى الوجود فوجدناه ، كنا أطفالا حين كنا نوقف اللعب إذا مر قس كنيستنا وكنا نخاطبه "أبونا" وكان أطفالهم يقبلون يد شيخنا واختلاط الأعياد هو الوجه الأنضج لهذه العلاقة الحميمة والدليل الأكبر على نفى المسافات بيننا ، فكانوا يلبسون الجديد فى أعيادنا، وكنا نشاركهم أعيادهم كأننا ضيوف عليهم ، ونعتبر أعياد ميلاد السيد المسيح وأعياد راس السنة ضمن أعيادنا .
مصر تسحب البساط من الدول العربية في حفلات رأس السنة
أهم تلك الطقوس كان ذلك الطقس العجيب وهو الاحتفال الذى نقيمه عشية عيد الميلاد ، فخلال أسابيع قبل العيد كان القفاصون ينشطون فى إنجاز صلبانهم المصنوعة من جريد النخل، وكل واحد منا مسلمين ومسيحيين يحمل عود قصب وبرتقالة وأربع شمعات ويضع كل شمعة فى ثقب بأحد أطراف الصليب الأربعة وفى المنتصف تغرس البرتقالة ، وتضاء الشموع فى الليل ـــ ولم تكن هناك كهرباء ـــ ويرفع الأطفال عيدان القصب وهم يغنون ليتلاقى جميع أطفال الحى فى بدن واحد وصوت واحد ، متجهين نحو كنيسة قريتنا ويستقبلهم الأهالى فى الطريق بالزغاريد إلى أن يذوب القمح فيفترش الأطفال الساحة ويبدأ تقشير البرتقال ومص القصب مع اللعب والسمر .