رئيس التحرير
عصام كامل

"النقض" تحيل نصوص إنشاء مركز التسوية والتحكيم الرياضي للدستورية.. والمحكمة تؤكد شبهة عدم دستورية المادتين 66 و69 من قانون الرياضة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قضت محكمة النقض بإحالة المادتين 66 و69 من قانون الرياضة المصرى رقم 71 لسنة 2017 "قانون الرياضة"، للمحكمة الدستورية العليا لوجود شبهة عدم دستوريتهما ومخالفتهما ضمانتى استقلال وحيدة القضاء المنصوص عليهما فى المادة 94 من الدستور.

أكدت الدائرة التجارية والاقتصادية بمحكمة النقض أن المادة 66 من قانون الرياضة المصرى مركز التسوية والتحكيم الرياضى المصرى ألحقت  باللجنة الأولمبية المصرية على الرغم من وصف المركز بأنه مركز المستقل فى ذات المادة.

وأن رئيس مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية هو نفسه رئيس مجلس إدارة المركز ويمثله أمام القضاء وأمام الغير  وأن مجلس إدارة المركز هو الذى يشرف على شئون المركز من كافة النواحى المالية والإدارية، أخصها اقتراح لائحة المركز أو تعديلها، واختيار المصرف الذى تودع فيه أمواله، واعتماد ميزانيته السنوية، واعتماد تعيين الأمين العام والعاملين بالمركز. فضلًا عن اختصاص مجلس الإدارة بتشكيل هيئات التحكيم واللجنة الاستشارية، وتنظيم عمل كل منها، وطريقة الاستعانة بالخبراء، وكذا تمتعه بسلطة واسعة فى قيد الأسماء بقوائم المحكمين المعتمدين لدى المركز وتحديد أتعابهم

ونوهت محكمة النقض أن كل هذه الروابط بين مركز التسوية والتحكيم الرياضى المصرى واللجنة الأولمبية المصرية من شأنها إثارة شكوك جدية حول مدى استقلال المركز لا سيما فى الحالات التى قد تكون فيها اللجنة الأولمبية المصرية طرفًا فى الدعاوى المعروضة على أى من هيئات التحكيم. مع أنه من المفترض ابتداءً أن يتيح الهيكل التنظيمى للمركز الاستقلال اللازم لهيئات التحكيم التابعة له بحسبانها هيئات ذات اختصاص قضائي، وكل ذلك يستوجب استقلال المركز عن اللجنة الأولمبية المصرية على المستويين التنظيمى والمالى، حتى تضطلع هيئات التحكيم التابعة للمركز بالفصل فى دعاوى التحكيم المطروحة عليها من خلال ترضية قضائية متوافقة فى مضمونها مع أحكام الدستور، بما لازمه أن تضطلع بتقرير هذه الترضية القضائية هيئات تحكيم تتوافر فى شأنها ضمانتا الحيدة والاستقلال

وتؤكد التجربة الدولية ذلك الفهم، إذ أدت ذات الاعتبارات إلى فصل محكمة التحكيم الرياضى عن اللجنة الأولمبية الدولية التى كانت قد رعتها ابتداءً منذ إنشائها، حيث تم الاتفاق دوليًا على إنشاء مؤسسة للتحكيم الدولى معنية بالرياضة باسم "المجلس الدولى للتحكيم الرياضى" ليضم تحت لوائه محكمة التحكيم الرياضى ويكون مسئولًا عن إدارتها وتمويلها

ومن ناحية ثانية، فقد ارتأت المحكمة شبهة عدم دستورية المواد 2 و81 و92 مكررًا (ب) و92 مكررًا (ج) من لائحة المركز لمخالفتها ما نصت عليه المواد 53 و84(2) و97 و170 من الدستور من حيث وجوب المساواة بين المواطنين لدى القانون، والتزام التشريعات الرياضية بالمعايير الدولية، واستقلال القضاء وحيدته، وحظر تحصين أى عمل من رقابة القضاء، والتزام حدود التفويض التشريعى ومبدأ تدرج التشريعات، وتضمنت المادتان 2 و81 من لائحة المركز خروجًا عن حدود التفويض التشريعى الوارد بالمادة 69 من قانون الرياضة، والتى خولت مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية سلطة إصدار قرار ينظم فيه قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم وفقًا للمعايير الدولية

ومن حيث المبدأ، لا يعيب قانون الرياضة واللوائح المنفذة لأحكامه سعيها إلى إخراج المنازعات الرياضية من اختصاص محاكم الدولة ليتم الفصل فيها عن طريق التحكيم، أو أى من الطرق البديلة لتسوية المنازعات، غير أن لائحة المركز لم تلتزم المعايير الدولية فى خصوص دعاوى بطلان أحكام التحكيم، إذ نظمت دعوى البطلان، على نحو يثير شكوكًا حول تحصين أحكام التحكيم الرياضى من رقابة القضاء، فى حين أن محكمة التحكيم الرياضى بسويسرا، باعتبارها النموذج الدولى الأبرز فى مجال تسوية المنازعات الرياضية، لا تختص بنظر دعوى البطلان، وتظل المحكمة الفيدرالية السويسرية هى المختصة – حتى اليوم – بنظر دعاوى البطلان على تلك الأحكام، فإذا كان هذا شأن النموذج الدولى الأبرز فى هذا الصدد، فمن الأولى فى مقام اتباع "المعايير الدولية" ألا يتم نظر دعاوى بطلان أحكام التحكيم الرياضى داخل إطار المركز، لا سيما فى ظل الشكوك القانونية المثارة حول عدم استقلالية المركز عن اللجنة الأولمبية المصرية

وأخيرًا، شددت محكمة النقض أن المادة 92 مكررًا (ج) من لائحة المركز، المعدلة بالاستدراك الصادر بقرار رئيس اللجنة الأولمبية المصرية رقم 7 لسنة 2018، وهو فى حقيقته تعديل للمادة لا استدراكًا لها، تتيح للمركز إبطال أحكام التحكيم الرياضى ولو كانت أجنبية، وهو أمر يخالف نصوص الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بأحكام المُحَكَمين الأجنبية وتنفيذها "اتفاقية نيويورك 1958".

مبدأ قضائي جديد.. الاستدلال بالبرقيات التلغرافية دون إذن النيابة لا يبنى عليها حكم

كما أن المادة 92 مكررًا (ج) من لائحة المركز تخالف أحكام الباب السادس (بطلان حكم التحكيم) من قانون التحكيم المصرى، إذ من شأن تطبيقها تجاهل فكرة المقر القانونى للتحكيم، والسماح لدائرة البطلان بالمركز بالافتئات على دور محكمة البطلان المختصة فى الدولة التى اختارها الأطراف كمقر قانونى للتحكيم، بما يمنح المركز فى مصر – بغير حق - اختصاصًا عالميًا بنظر دعاوى بطلان أحكام التحكيم الرياضى الأجنبية الصادرة من أى هيئة تحكيم رياضى، ويخلق حالة من التنازع الإيجابى فى الاختصاص بغير مقتضى. بل إن مؤدى تلك المادة هو تخويل ما يسمى دائرة البطلان بالمركز – وهو مجرد مركز للتحكيم – سلطة لا تملكها محاكم الجمهورية ذاتها، هى سلطة إبطال أحكام التحكيم الأجنبية

ولذلك حكمت المحكمة بوقف نظر الطعن تعليقًا، وأحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر فى دستورية المادتين 66 و69 من قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017 فيما تضمنته من اختصاص مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية بإصدار لائحة النظام الأساسى لمركز التسوية والتحكيم الرياضى المصرى بما يخل باستقلال وحيدة هيئات التحكيم التابعة له. وكذا المواد 2 و81 و92 مكررًا (ب) و92 مكررًا (ج) من لائحة النظام الأساسى لمركز التسوية والتحكيم الرياضى المصرى الصادرة بقرار رئيس اللجنة الأولمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017، والمعدلة بالقرار رقم 2 لسنة 2018، فيما تضمنته من خروج عن حدود التفويض التشريعى الوارد بالمادتين 69 و70 من قانون الرياضة، وعدم التزامها المعايير الدولية، وتحصين أحكام التحكيم الرياضى الصادرة عن المركز من رقابة القضاء، وإهدار مبدأ المساواة بين المواطنين لدى القانون فى شأن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الرياضى الصادر عن المركز أمام محاكم الدولة

صدر الحكم برئاسة المستشار نبيل عمران، نائب رئيس محكمة النقض وعضوية المستشارين محمود التركاوي والدكتور مصطفى سالمان وصلاح عصمت والدكتور محمد الأهواني، نواب رئيس محكمة النقض وحضور رئيس نيابة النقض أحمد فرج زاهر وسكرتارية خالد وجيه

الجريدة الرسمية