محمد فودة يكتب: "إيشاع العابدة"
استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الأنبياء ٨٩ - ٩٠
وتوقفت أكثر عند قوله تعالى (وأصلحنا له زوجه) فإذا تأملنا سياق الآيات سنجد أن الحق، سبحانه وتعالى، قدم وهب الولد على إصلاح الزوجة، مع أن الطبيعة تقتضي العكس، إصلاح الزوجة ثم الوهب.. فلماذا جاء التقديم؟
لنتعرف أولا على (إيشاع العابدة).. هي زوجة نبي الله زكريا، وأم نبي الله يحيى عليهما السلام، وأخت حنة بنت فاقوذ زوجة عمران، وخالة السيدة العذراء مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام. كانت تقية وصالحة ومن العابدات.
أما أسباب التقديم فقد اختلف المفسرون في تفسير تلك الآية وتناولوها بالكثير من الاجتهادات نعرضها في إيجاز..
- الواو لا تفيد الترتيب
يقول الإمام الرازي: أن قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ يدل على أن الواو لا تفيد الترتيب، بل المشاركة و التزامن، هبة الولد بإصلاح الأم، أو إصلاح الأم بهبة الولد، فالله لم يوهب لزكريا الولد حتى أصلح له المنبت، لأنه كما يقول الله: ﴿وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخرُجُ نَباتُهُ بِإِذنِ رَبِّهِ﴾ ، فأصلح الله له المنبت ليكون نباته طيبا.
- وراثة النبوة
والبعض الآخر يرى أن طلب الذرية كان مبتغاه ومطلبه الأعظم في الدعاء قال تعالى ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ..) أما معنى إصلاح الزوجة المذكور في الاستجابة في الآية فقال فيه أهل التأويل أنها كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها وَلُودا، ووهب له منها يحيى..
- القدرة الإلهية
يقول الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه: فبعَد أنْ كانت عاقراً لا تلد أجرينا لها عملية ربانية أعادتْ لها مسألة الإنجاب، لأن المرأة تلد طالما فيها البويضات التي تكوِّن الجنين، فإذا ما انتهتْ هذه البويضات قد أصبحت عقيماً، وهذه البويضات في عنقود، ولها عدد مُحدَّد أشبه بعنقود البيض في الدجاجة؛ لذلك يسمون آخر الأولاد "آخر العنقود".
إذن: وُجِد يحيى من غير الأسباب الكونية للميلاد؛ لأن المكوِّن سبحانه أراد ذلك.
لكن، لماذا لم يقُلْ لزكريا أصلحناك؟ قالوا: لأن الرجل صالح للإنجاب ما دام قادراً على العملية الجنسية، مهما بلغ من الكِبَر على خلاف المرأة المستقبِلة، فهي التي يحدث منها التوقُّف.
وأصحاب العُقْم وعدم الإنجاب نرى فيهم آيات من آيات الله، فنرى الزوجين صحيحين، أجهزتُهما صالحة للإنجاب، ومع ذلك لا ينجبان، فإذا ما تزوج كل منهما بزوج آخر ينجب؛ لأن المسألة ليست (آليّة)، بل وراء الأسباب الظاهرة إرادة الله ومشيئته.
وقفة ثانية.. استوقفني أيضا اختلاف اللفظ في قوله تعالى (أصلحنا له زوجه) و(امرأتي عاقرا) لماذا اختلف اللفظ في الأولى عن الثانية ولم يأتِ "أصلحنا له امرأته" مثلا... تبين الدكتورة عائشة عبد الرحمن السبب في كتاب الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق ص ٢٣١ : زوج وامرأة.
محمد فودة يكتب: في سجود السيدة مريم عليها السلام
زوج
تأتي حيث تكون الزوجية مناط الموقف حكمة وآية، أو تشريعا وحكما: قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم ٢١.. فإذا تعطلت آياتها من السكن والمودة والرحمة، بخيانة أو تباين في العقيدة فامرأة لا زوج (امرأة فرعون) (امرأة لوط) (امرأة نوح) فإذا تعطلت حكمة الزوجية بعقم أو ترمل فامرأة لا زوج كما في قوله (وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا) ثم لما استجاب له ربه وحققت الزوجية حكمتها كانت الآية ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه).
إلا أن البعض قد اختلف مع ما ذكرته الدكتورة عائشة، على اعتبار الخلط بين المرأة والزوجة، ووضعهما في إطار العلاقة الزوجية فقط واستدلوا على ذلك بالسيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم، قال تعالى (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)، على اعتبار تحقيق حكمة وآية الزوجية وهو التناسل.