"بشار" يقود التظاهرات ضد "أردوغان".. العلويون الأتراك ينقلبون على الحكومة بسبب موقفها من سوريا.. علمانيو تركيا يتمردون على الحكومة بسبب أشجار حديقة "جيزيه بارك"
تعيش تركيا أعنف احتجاجات ضد حكومة أردوغان، حيث أطلقت الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لمنع المزيد من المحتجين من الوصول إلى ساحة "تقسيم" بوسط المدينة مما أدى إلى إصابة عشرات الأشخاص خلال اليومين الماضيين.
كانت الاحتجاجات انطلقت بعد قيام شركة مقاولات بقطع أشجار في حديقة "جيزيه بارك" للبدء في تحويلها لمركز تجاري، إلا أن المظاهرات سرعان ما تحولت إلى احتجاجات عارمة ضد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم تحت زعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وهو ما فسره البعض بأنه ليس من الطبيعى أن يكون كل ذلك الغضب بسبب الحفاظ على البيئة والطبيعة.
ورغم قرار المحكمة الإدارية السادسة بأسطنبول بوقف تنفيذ مشروع البناء في المنتزه، إلا أن المتظاهرين واصلوا احتجاجاتهم لأن المظاهرات ما عادت تستهدف المنتزه ولا الحفاظ على الأشجار، حيث هناك أسباب أخرى للتظاهر، منها أن هذا الانفجار غضب متراكم منذ أكثر من عقد جراء الهزائم المتتالية التي تلقتها القوى العلمانية واحدة تلو الأخرى أمام أردوغان وحزبه سواء على الصعيد السياسي أو في قضايا محاولة الانقلاب على الحكومة المنتخبة.
وانضم إلى المتظاهرين المنزعجين من المصالحة مع حزب العمال الكردستاني وغضب الموالين للنظام السوري وحلفائه، بل غضب كل من لديه حساب مع حكومة أردوغان، وخاصة غضب الموالين للنظام السورى بعد تمسك الحكومة التركية وأردوغان بموقفهم ضد نظام بشار الأسد في سوريا.
ومن المؤكد أنه لا تقتصر المشكلات الداخلية الكبرى في تركيا على المشكلة الكردية أو حزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد القوات الحكومية منذ العام 1984، فهناك نحو 10 ملايين من العلويين في تركيا يتوزعون بين العنصرين التركي والكردي.
وتشكل مدينة ديرسم في جنوب شرق الأناضول ملتقى تقاطع الحساسيتين أو المشكلتين معًا لأن غالبية سكانها من الأكراد العلويين، وتشكل المجزرة التي نفذتها قوات الجيش التركي في هذه المدينة الصغيرة في العام 1925، لطخة سوداء في الذاكرة الجمعية في تركيا، وكان لافتًا اعتذار رجب طيب أردوغان باسم الدولة التركية عن تلك الجريمة البشعة، في بداية شهر ديسمبر 2011، وأثار الاعتذار جدلًا واسعًا في الرأي العام التركي بوصفه سابقة قد تؤدي إلى فتح ملفات أخرى مماثلة يتحمل مسئوليتها التاريخية مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك الذي حكم البلاد بقبضة حديدية إلى حين وفاته في 1939.
ولا شك أن ما دفع أردوغان إلى هذه اللفتة المفاجئة إنما هو تداعيات الأزمة السورية على المجتمع التركي حيث إنها في أحد وجوهه رشوة معنوية لعلويي تركيا الرافضين موقف وقوف حكومته مع الثورة السورية ضد بشار الأسد العلوى كما يراه الأتراك.
وبناءً على المجازفة بشيء من التعميم غير المبرر بأن البيئة العلوية في تركيا أكثر ميلًا للتعاطف مع النظام السوري في صراعه ضد شعبه، في حين تميل بيئة الإسلام السني إلى التعاطف مع الثورة الشعبية السورية، منطلقين في ذلك من قراءة للصراع الدائر في سوريا يختزله إلى صراع بين "نظام علوي" وثورة شعبية "سنية".
وتاريخيًا انحاز العلويون في تركيا إلى التيارات اليسارية، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال منذ قيام الجمهورية، وإذا كان جل الماركسيين أو من في حكمهم لا يعدون حزب الشعب الجمهوري يساريًا، فهو يعد نفسه كذلك ويتمتع بعضوية الاشتراكية الدولية.
وفي الأزمة السورية انتقد الحزب الذي يتزعمه الكردي العلوي من ديرسم كمال كلجدار أوغلو، موقف حكومة أردوغان المنحاز إلى ثورة الشعب، معتبرًا ذلك تدخلًا في الشئون الداخلية لدولة مجاورة، قد يكلف تركيا أثمانًا لا تطيقها.
في حين كان اليسار الماركسي أقرب إلى رؤية النظام السوري وتيار الممانعة العربية بصورة عامة، فقد رأى في ثورة الشعب السوري "مؤامرة إمبريالية" ضد نظام يدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مؤامرة تهدف إلى "تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية" قد تمتد مفاعيلها إلى داخل تركيا ذاتها.
ويتقاسم تيار إسلامي صغير هذا اليسار هواجسه بصدد المؤامرات الغربية والتقسيم من منطلقات يمكن وصفها بـ"عقدة الرجل المريض"، ذلك أن هذا التيار الشائع في قسم من أوساط حزب السعادة الإسلامي وحزب صوت الشعب الإسلامي، مسكون بصورة ثابتة بالهواجس عن المؤامرة الغربية التي فككت الإمبراطورية العثمانية في مطلع القرن العشرين، وما زالت تسعى إلى تفكيك تركيا المعاصرة حسب اعتقاده، وبصورة مماثلة يهجس التيار القومي المتشدد في تركيا بعقدة المؤامرة إضافة إلى خصومته التقليدية مع التيار الإسلامي.
وتشير العديد من الأقلام إلى تورط النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين في تحريك الاحتجاجات في ظل إصرار تركيا على موقفها الداعم للثورة السورية، ولكن الأمر له أبعاد عدة اختلط فيها الحابل بالنابل، خاصة أن حكومة سوريا هى أول دولة اعترضت على استخدام أردوغان للعنف وإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين أي أن حكومة بشار الأسد مع التظاهرات المناهضة للنظام في تركيا.