السيسي الدبلوماسي
الدبلوماسية واحدة من أدوات الدول لتحقيق الأهداف والمصالح العليا لها، والتعبير الفعال عن السياسات الخارجية لها، فضلا عن حماية ورعاية الرعايا لدى الغير، والتفاوض، والاتصال المؤثر بالمجتمع المدنى، والنيابى والإعلامى لدى الدول الأخرى..
وهي تقوم على القوة الناعمة، تفاديا لاستخدام القوة الصلبة، أي الحرب بكل الأسلحة في ميادين القتال. وبالتالي يمكن القول إنها مكون رئيسي من مكونات القوة الصلبة، بل إنها لن تجدى نفعا ما لم تكن القوة الصلبة فاعلة ومؤثرة ومختبرة، وليس المقصود بالقوة الصلبة هنا فقط القوة العسكرية الشاملة، بل أيضا القوة الاقتصادية التي توفر وقودا كافيا لتمرير أهداف الدولة من خلال دبلوماسييها.
أضف إلى هذه المكونات جميعها مدى قدرة القائم بالعملية الدبلوماسية على الإقناع والتمتع بالمهارات اللغوية والحضور والتأثير، فإن انعدمت شحبت تقريبا جدوى القوة الناعمة وقت التفاوض.
اقرأ أيضا: وإعلام التآمر موجود داخليا ايضا
وفي السنوات القليلة الماضية اتسع نطاق الدبلوماسية ليتجاوز المعروف منها تقليديا، عبر السفراء والمفوضين، ليشمل نوعين جديدين، أحدهما هو الدبلوماسية الشعبية، والدبلوماسية الرقمية. الأولى تتم بالوفود الفنية والثقافية وممثلى المجتمع المدنى، وفى مصر تمت هذه العملية ببلاهة وسذاجة على يد نخبة ضالة عرضت موارد مصر المائية للخطر، بزيارة حمقاء إلى إثيوبيا تبارك إقامة سد يسد ماء النيل عن مصر!
النوع الثاني الدبلوماسية الرقمية، ولقد شاعت بفضل الأدوات الاتصالية التي استحدثتها التكنولوجيا، وأبرزها تويتر والفيسبوك، لكن تويتر تظل هي المنصة الدبلوماسية الرقمية المفضلة، وكانت من قبل مجالا يرتاده المعارضون والناشطون بكثافة ولا يزالون قبل أن يذهب إليه وينجح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي ماكرون، ورؤساء حكومات بريطانيا وكندا ووزراء خارجية كثيرون بالطبع..
في كل الأحوال، فإن الدبلوماسية الشخصية هي الأكثر فعالية، وفى وقت الأزمات يبقى الاتصال التليفونى أسرع وأكثر حسما للمواقف، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة، حققت دبلوماسية مصر، يقودها الرئيس السيسي نجاحا ملفتا، على خلفية معركة طرابلس..
المعركة الدبلوماسية لمصر جزء مكمل لأمننا القومى، وهي أيضا مكون جوهرى من مكونات حرب الجيش الوطنى الليبي على حكومة الميلشيات العميلة بقيادة فايز السراج عميل تركيا رقم واحد.
واقرأ أيضا: التسريب الثالث هو الأخطر!
حقق السيسي نجاحا بالفعل من خلال سلسلة اتصالات مع ترامب، ومع بوتين ومع إيطاليا، ومع ألمانيا، وأقنع الجميع بأن حرب حفتر ليست ضد حكومة شرعية بل حرب ضد العناصر الإرهابية التي تنقلها تركيا إلى التراب الوطنى الليبي وتحميها طرابلس الوفاق، ومن شأن تمركزها هناك أن يجعل من ليبيا محطة انطلاق إرهابية الى قلب أوروبا، وفتح الهجرة غير الشرعية إليها من جديد.
ومن الواضح أن الدول الكبرى لن تعترف كالعادة إلا بالنتائج على الأرض، وهذا هو سر تسارع العمليات للتعجيل بحسم معركة طرابلس قبيل انعقاد مؤتمر برلين. ومع النجاحات الكبيرة التي حققها الجيش الوطنى الليبي واستمرار دعم مصر دبلوماسيا، والزيارات المعلنة لوزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى ليبيا، في السابع من يناير المقبل، يمكن أن نرصد التعجيل المريب بدعوة البرلمان التركي للتصديق في الثاني من يناير على طلب الوفاق إرسال قوات تركية وأسلحة للقتال جنبا الى جنب مع ميليشيات طرابلس.
وكان أردوغان حدد موعد الثامن من يناير للموافقة على طلب حكومة العملاء في طرابلس فور عودة البرلمان التركي وعقد أولى جلساته في الثامن من يناير!
هذا التعجيل يستهدف تقويض النجاح العسكرى للجيش الوطنى والحيلولة دون استرداد طرابلس مطهرة من الإرهاب والخونة. الدعم العسكرى التركى هو هجوم على الأمن القومى ليس فقط لمصر بل أيضا الأمن القومى الأوروبي والإقليمي، وعدوان على دول ترتبط بعلاقات استراتيجية مع روسيا، مثل مصر وليبيا حفتر.
مع حسم معركة طرابلس قبيل وصول القوات التركية، لو تحقق قبلي وصول الإمدادات التركية، ستكون محطة القتال التالية في مصراتة هي الأصعب، لأنها مخازن السلاح والإرهاب، وحتى لو تحررت طرابلس فستنزل القوات التركية وكتائب الإرهاب تتحصن في مصراته وتحارب الشعب الليبي. الموقف بالغ الخطورة وقابل للاشتعال الإقليمي.. لكن مصر قوية ويقظة ورشيدة، وليبيا الشقيقة ستعود منتصرة.