كثير من الغباء.. قليل من السياسة!
تتميز الفترة الراهنة فى المشهد المصرى بتكاثر جينات الغباء السياسى بين كافة الأطياف السياسية الحاكمة المهيمنة، وبين قوى المعارضة المثالية والبريئة فى زمن لا تنفع فيه البراءة، ومع لاعبين لا يعترفون إلا بالقوة والسيطرة بأى وسيلة كانت، فالحكومة التى تمثلها جماعة سياسية بمسحة دينية كهنوتية تتلاعب بالوطن والمواطنين على حد سواء، تأمّل ما قامت به حكومة الجماعة من الإتيان بكل شىء ونقيضه، مستندة فى ذلك إلى ظهير فعال فى الشارع من شباب وأعضاء للجماعة ومؤيدين وإعلاميين ودعاة، وخلايا نائمة تبرز وقت التأزم، مما جعلها تتلاعب بالمواطن البسيط المؤيد لها جبرًا وطمعًا، فى مهزلة عبثية تسمى الاستقرار!
هذا الاستقرار المزعوم كان أداة الجماعة لتمرير دستورها الذى يضمن تمكينها من الحكم لعقود عن طريق خلق صلاحيات تشريعية لمجلس التكايا المسمى ظلما بالشورى، والمميز عن كل مؤسسات العالم النيابية بتعيين رئيس الجمهورية لأعضائه؛ تسعون عضوًا لم ينتخبهم الشعب يشرعون قوانين إدارة الحكم والانتخابت القادمة، وهذا هو بيت القصيد، الانتخابات، التمكين عن طريق الصندوق الملوث باستغلال حاجات الفقراء! طعام الفقراء صار الدرج السحرى الذى تصعد من خلاله الجماعة للحكم! يحدث هذا بينما المعارضة منقسمة ومتشرذمة ومخونة لنفسها ولأطيافها المختلفة بين جبهة إنقاذ وكيانات أخرى وتحالفات تسهم بكثرتها فى إسقاط نفسها وتفتيت أصوات الشعب الذى بدأ يفطن إلى انتهازية الجماعة وحلفائها، وأدائها السيئ على المستوى الاقتصادى والأمنى والسياسى، ولكن أى كيان بديل للشعب الذى جرب عبثية العمل السياسى للجماعة وإدارتها للدولة من أجل مصلحتها وليس الوطن؟ أين المعارضة؟
أين الكيان الموحد المحتم عليه تجاوز خلافاته ومصالحه وأطروحاته الأيدولوجية من أجل الوطن؟ هل خروج قائمة موحدة مستحيل بين تلك القوى التى يأمل كثير من الشعب أن تنقذ الوطن من القوة الواحدة والجماعة الأسرية المنغلقة على أعضائها وأسرهم رغم كثرتها! الشعب يريد من يرحمه من غلاء المعيشة وتحقيق عدالة شعبية اجتماعية لا تؤمن بها الجماعة بقدر إيمانها بحقها فى الحكم؛ لأنهم جماعة الله على الأرض، وحزب الله وسط أحزاب الضلال! ولقد بدأ الشعب يستفيق من خدعة الاستقرار واكتوى بنار الانهيار الاقتصادى، والحصول على سلعة وطنية مثل الغاز - مثلا - بسعر أغلى من تصديره لأسبانيا وإسرائيل التى يتودد لها رجال الجماعة، ويتوقون لعودة شعبها المختار لمصر! تفهّم الشعب خدعة الدستور، وبدأ يشعر فعلا باستقرار الفقر والذل ونهضة الوهم!
إن الغباء الذى أدارت به الجماعة الدولة وجعلت نفسها فوقها، وانحدرت بالوطن اقتصاديا وأمنيًّا إلى درك خطير لهو موازٍ لغباء المعارضة التى تصر على التشرذم وعدم لعب السياسة ببرجماتية - نفعية - ولو مؤقتة، إن قانون تقسيم الدوائر بين قائمة بالثلثين وفردى بالثلث والذى تم تمريره دستوريًّا لخدمة الجماعة والسلفيين، ليحتم على القوى الوطنية أن تتوحد أو تختفى للأبد، فمن يريد التنافس على دائرة شاسعة ومتباعدة عليه بتوحيد جهوده فى كيان واحد قادر على حصد أصوات أكثر من نصف الشعب الرافض لحكم الجماعة أو السلفيين، اتحدوا أو "غوروا".