هل يرتبط "النص التشريعي" بأهداف الدولة القانونية؟
الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية هو ارتباطها عقلًا ومنطقًا بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص التشريعي يلتزم إطارًا منطقيًا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزا لها فيأتي مناهضًا.
وفي جميع الأحوال فإن أية قاعدة قانونية، ولو استقر العمل عليها أمدًا طويلا لا تحمل في ذاتها ما يعصمها عن العدول عنها، وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكمًا في الدستور، إلا أن القاعدة القانونية التي لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التي تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها وإقرارها وإصدارها وشروط نفاذها، تفقد مقوماتها، فلا يستقيم بنيانها، فتطبيقها في شأن المشمولين بحكمها مع افتقارها لقوالبها الشكلية لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التي لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطتها بعيدا عن خضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيدا على كل تصرفاتها وأعمالها.
«خطاب مفتوح» إلى الوزراء الجدد ونوابهم
وحال إقرار القاعدة القانونية فإن إخطار المخاطبين بمضمونها يعتبر شرطا لإنبائهم بمحتواها، ونفاذا بالتبعية يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، وذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معا وتتكاملان، وإن كان تحقق ثانيتهما معلق على وقوع أولاهما – وهما نشرها وانقضاء المدة التي حددها المشرع لبدء العمل بها، ذلك أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها.
المسئولية الإشرافية للرئيس الإداري.. هل تستوجب المساءلة؟
وهذا النشر يعتبر كافلًا وقوفهم على ماهيتها ونطاقها، حائلًا دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينا، أو إدراكهم لمضمونها واهيا، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها – متضمنًا إخلالًا بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفصل أوضاعها.
حكاية «بنداري» في المؤسسات الحكومية
فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارا كافيا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق على اختلافها.
وإعلاء كلمة القانون والحق، ذلك أن غاية مبدأ المشروعية الدستورية أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة ومتوافقة وأحكام الدستور، وتتبوأ تلك الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة.. وللحديث بقية.