الست "خيرية" والرئيس "الفتك"
حينما تأتى كلمة رئيس في افتتاح مؤتمر لمنظمات أهلية، بهذا المستوى المتدنى من الخطاب السياسي، بالتوازى مع سعى مجلس "شورى" نحو تمرير مشروع قانون قدمه نفس الرئيس مستخدمًا حقه المحسوب له في دستور جماعته، لفرض قيود جديدة على العمل المدنى، ويصفق له الحضور، ثق أنك في مجتمع مهلهل يمارس المشهلاتية فيه دورهم بامتياز في حضور رئيس يتقمص دور "الفتك".
وفتاكة الرجل الذي باشر خطابا أبعدنى بجدارة عن أفلام اللمبى، بدت لى في قراءته "المفتشرة" لمنطق العمل الأهلي السائد في مصر قبل عقود، ظلت خلالها جمعيات دفن الموتى وكفالة الأيتام بأموال تحضر عبر وسطاء الخير في دور عبادة غير مقننة صناديقها، منفذًا صريحًا لحصول تيارات الدين السياسي على فرصتها، حتى قيامها بإنشاء أحزاب تتنافس في لعبة "الكفر" المسماة بالديمقراطية بعد يناير 2011، لتقف وحيدة بين أقرانها في العمل الأهلي بلا قيد أو رقابة حقيقية فاعلة على نشاطها.
ولأن قيادات تلك الكيانات كانت تماليء مبارك ونظامه بنفس منطق "الفتاكة"، استدعى مؤتمرها مع شاغل منصب الرئيس مشهدًا من ذاكرتى لنفس القيادات قبل الثورة بعامين، حينما انتفخت أفواه أصحاب البطون المتمددة بهتاف "خيرية آه.. حقوقية لأ"، داخل مؤتمر إقليمى رعاه اتحاد "مسلفن" بحضور مسئولى الوزارة.
ولأن قراءات نفس الأشخاص متطابقة لعلاقاتهم ومؤسساتهم بالحكم، كانت آلية استعداء الفقراء على منظمات العمل الحقوقى واحدة قبل الثورة وبعدها، رغم تفاوض "خيرية" مع "حقوقية" في الظلام والناس نيام، حول حصتها في كعكة مراقبة المواسم الانتخابية وجلب المستفيدين ببرامج التوعية وغيرها.
ولأن الفرح لا يكتمل نشاط الطبال فيه دون راقصة، عادت نغمة التخوين على لسان "الأخ" خلال مخاطبته "أصحاب" العمل الأهلي في العصر الإخوانجى، بطريقة "تدعم الدولة الانفتاح على الآخر وترحب بالمبادرات ودعم الدول الصديقة"، وصولًا إلى "أنا عارف مين بيقول إيه إزاي عشان إيه" في حسابات الجمع بين العملين الإعلامى والمدنى.
في مصر أشكال عدة من التنظيمات القانونية للكيانات الممارسة للعمل العام، مؤسسات وجمعيات وروابط وائتلافات تخضع لأحكام القانون 84 لسنة 2002 بكل سلبياته وقيوده المراد زيادتها، وشركات محاماة تخضع لقانون تنظيم مهنة المحاماة، وشركات مدنية وتجارية يستهدف أصحابها تحقيق النفع العام والخاص حسبما يسمح لهم القانون المدنى، وجميعها وفرت فرص عمل كبيرة إذا ما أشرنا إلى نحو 40 ألف كيان يضم الواحد منها 10 أشخاص في المتوسط ويستفيد من مشروعاتها الإنتاجية الآلاف والتوعوية مئات الآلاف.
وهناك دول تسمح لمنظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية بالحضور والتواجد الحقيقيين، لتنعكس نتائج أنشطتها على المجتمع فتسهم في بناء عقول وتستثمر في ثروته البشرية لصالحه، أبرزها الأردن الشقيقة، والإمارات بمشروعاتها الثقافية، بينما في مصر تبدأ الجماعة رحلة إنشاء الكيانات الأهلية الموازية للاستحواذ على المنح بعد مليارات القروض.
حالة التخوين النظامى للنشاط الحقوقى التي مارسها مبارك، استنسختها الجماعة إياها خلال شروعها في شق صف الميادين، رغم أن نوابها في برلمان الحزب الوطنى ظلوا ضيوفا دائمين على مؤتمرات ومنتديات لمنظمات، لم تخل من صرف بدلات بالمئات والآلاف للحضور من المتحدثين والباحثين في قضايا التنمية والديمقراطية، وحينما صرحت السفيرة الأمريكية بعد الثورة بأن بلادها ساهمت بمبلغ 40 مليون دولار في دعم النشاط الأهلي بمصر، كان الربط بين شباب الثورة والتمويل الأجنبى نغمة محببة للإخوان والعسكر في مواجهة الثورة.
المجتمعات القوية تتأثر بفعل المبادرات الفردية والجماعية، لتفرز عقولا واعدة يخرج من بينها بالضرورة رئيس عاقل، يستطيع فهم وتفهم متغيرات وطبيعة عصر وعالم يتقارب معلوماتيا، ويتباعد فكريا فقط بفعل الأغبياء من الحكام.