فريد الأطرش يكتب: حكاية العمر كله
فى مجلة الكواكب عام 1959 كتب الموسيقار ملك العود صاحب الصوت الحزين فريد الأطرش مقالا يتحدث فيه عن نفسه ويحكى بعضا من ذكرياته فقال: أنا فنان عربى كرس حياته وجهده وسنوات عمره لخدمة وطنه العربى الكبير، أنفقت قرابة الثلاثين عاما حتى الان فى خدمة الفن والفنانين حتى انى عانيت كثيرا وشربت المر وبذلت العرق والدموع قبل الوصول الى مركزى الفنى الذى طالما حلمت به.
أنا إنسان طيب أحب الناس ، كل الناس، ولا أضمر أى كراهية لأحد مهما كان هناك من وقف ضدى أو حاربنى ، لكنى طوال حياتى أحب أن أرى الجميع حولى سعداء راضين، لا يعرف قلبى الحقد والكراهية ، ولا يجد الحسد طريقه إلى نفسى .
كما أننى صريح مافى قلبى على لسانى انطقه بحسن نية وسلامة طوية ، ولطالما سببت لى صراحتى المتاعب والإيلام من بعض الناس ، لكنى ارى فى نفسى أن هذه الصراحة طريق للصداقات الحقيقية القوية السليمة والعلاقات الوثيقة.
وعشت أقدس الصداقة والحب وأجدهما عماد الإنسان فى حياته، وقد علمتنى الحياة أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش إلا بالحب لمن حوله والعمل الطيب، ولهذا يمتلئ قلبي بالحب للناس كل الناس.
لا أحب الدعاية عن نفسى واعتبر أعمال الفنان خير دعاية له، ومما سبب لى الآلام أن بعض النقاد كتبوا عنى فى السنوات الأخيرة مقالات تحدثوا فيها عن نساء فى حياتى وعن هواياتى، لكن أحدهم لم يتعرض لفنى بغض النظر عن صوتى، رغم ما قدمته من ألحان ناجحة مثل: بنادى عليك ، أول همسة ، ياقلبى يامجروح ، عدت يايوم مولدى ، الربيع ، وحدانى ، اياك من حبى وغيرها من الألحان الغريبة، و لم يتكرم على أحد من هؤلاء النقاد بكلمة تشجيع واحدة تبعث فى نفسى الأمل وروح الخلق.
إن الفنان يحتاج إلى التشجيع والعطف ليجد ما يدفعه إلى مواصلة جهوده الفنية لخدمة جمهوره وفنه.
إن علاقة الفنان بزملائه هى أولى الدعامات الفنية، لكن بعض الفنانين لا يقدرون الزمالة، ولايراعون أحاسيس زملائهم فأنت تسمع يوما ان "فلانة" تتبرأ من الوسط الفنى لأنه ليس وسطها وهى إذا تصورت أنها تحرج بذلك الفنانين بهذا فهى مخطئة ، لأنها لا يمكن أن تؤثر على حب الجمهور للفنانين .
فريد الأطرش من جبل الدروز إلى حى السكاكينى
كنت أول من تطور بالموسيقى الشرقية وأدخل الأوبريت والموسيقى الراقصة كالتانجو والرومبا والفالس مع الاحتفاظ بالطابع الشرقى الصميم والبعد عن الاقتباس من الموسيقى الغربية والهندية ووضعت قطعا موسيقية عالمية مثل: سوق العبيد ، زمردة وكهرمانة ورقصة الجوارىى ، كما طعمت الموسيقى الشرقية دون أن اقتبس أو أن تتلون ألحانى بلون أجنبى وهذا من دواعى فخرى ، لأن التطور معناه أن تخلق من صميم الموسيقى الشرقية وليس من ألوان الموسيقى الأخرى.