رئيس التحرير
عصام كامل

«شبح البطالة» يطارد «فرنسا».. 330 ألف عاطل إضافي منذ انتخاب «أولاند».. الحكومة تسابق الزمن لتعديل قانون العمل.. تخفيض الرواتب وساعات العمل أبرز الحلول.. خلق 300 ألف فرصة

وقفة احتجاجية للعاطلين
وقفة احتجاجية للعاطلين بفرنسا - صورة أرشيفية

أصبحت مشكلة البطالة من أخطر الأزمات التي تعيشها فرنسا خلال المرحلة الراهنة، وأكبر التحديات التي يواجهها الرئيس فرنسوا أولاند الذي أكمل هذا الشهر عامه الرئاسي الأول في قصر الإليزيه، فقد كشفت وزارة العمل الفرنسية في بيان لها أمس أن معدلات البطالة سجلت رقما قياسيا جديدا في شهر أبريل حيث زاد عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 3 ملايين و264 ألفا و400 شخص، وهو بذلك ارتفع بنحو 40 ألف شخص خلال شهر أبريل مقارنة بالشهر السابق، وذلك في أسوأ مستوى له منذ يناير 1996.



من ناحية أخرى، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية زيادة معدلات البطالة في فرنسا حتى نهاية عام 2014، ليصبح 11.1% بعد أن بلغ 10.7% خلال العام الجاري.

وأوضح هيرفيه بولول، الخبير الاقتصادي بالمنظمة، أن الارتفاع المتوقع في معدلات البطالة خلال العامين الجاري والمقبل يعد ارتفاعا كبيرا ويدق ناقوس الخطر في البلاد، بمعنى أنه حتى إذا استمر معدل البطالة 11.5% فإن الأمر يعد خطيرا ومثير للقلق.

وأكد بولول على أنه من أجل مواجهة هذا الخطر يجب تحقيق انتعاش اقتصادي من خلال اتباع الإصلاحات التي تبنتها الحكومة، مثل إصلاح المعاشات وتأمينات البطالة، ودخولها حيز تنفيذ في أقرب وقت ممكن.

ونظرًا للأهمية المتزايدة التي أصبحت تحتلها مشكلة البطالة على الساحة الفرنسية أكد الرئيس أولاند، خلال كلمة له يوم الثلاثاء الماضي في جامعة بو للعلوم في باريس، اتفاقه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على وضع خطة حقيقية لتوظيف الشباب خلال العام الحالي وتقديمها إلى القمة الأوربية التي تعقد في برلين الشهر المقبل، ولا تعتمد هذه الخطة على ضخ أموال أضافية لخلق وظائف جديدة ولكنها تقوم بالأساس على تحقيق أفضل استفادة ممكنة من الموارد المتاحة لتوفير فرص عمل للشباب. كما تنطوي هذه الخطة على مساهمة بنك الاستثمار الأوربي في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعد من أفضل السبل لتوفير الوظائف،ولكنها تواجه صعوبة في الحصول على القروض التي تحتاجها.

وفي السياق ذاته، أعلن الرئيس أولاند عن عزمه إطلاق برنامج يسمح لكل الشباب الأوربي إتمام جزء من دوراته التدريبية في دول أخرى في الاتحاد الأوربي، والدعوة إلى سرعة تطبيق المبادرة الأوربية لخلق الوظائف الجديدة التي تقدر استثماراتها بنحو ستة مليارات يورو.

وطوال العامين الماضيين لم تتوقف معدلات البطالة عن الارتفاع حيث أصبحت شبحا يهدد الفرنسيين ويقضي على آمالهم في تحقيق مستوى معيشي أفضل. ومنذ انتخاب الرئيس أولاند في مايو 2012، سجلت فرنسا أكثر من 330 ألف عاطل أضافي عن العمل، وزادت معدلات البطالة بنسبة 12.5% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو ما يعني أن الزيادة بلغت نحو + 1.2% شهريا.

وفي إطار الخطورة المتفاقمة التي باتت تشكلها مشكلة البطالة تصاعدت التعبئة العامة في العديد من المدن الفرنسية في محاولة لإنقاذ فرص العمل ومنع تسريح مئات الآلاف من العمال المهددة مؤسساتهم ومصانعهم بالإقفال بسبب الأزمة الاقتصادية.

ولم تنتظر المجالس المحلية والبلديات ومجالس المحافظات إعلان الحكومة التعبئة العامة لمحاربة البطالة، بل حرصوا على أن يأخذوا بزمام المبادرة من خلال الاستثمار في المؤسسات الاقتصادية عن طريق البيع والشراء ليس لتحقيق الأرباح المالية ولكن لإنقاذ فرص العمل، وفي بعض الأحيان كان يتخطى بعض رؤساء تلك المجالس والبلديات القوانين لكي ينقذوا سكان بلداتهم أو مدنهم من البطالة.

ولكن هذا لا ينفي أن الحكومة قد قامت باتخاذ بعض التدابير لمواجهة خطر البطالة الداهم كان آخرها تعديل قانون العمل في البلاد، الذي تم إقراره هذا الأسبوع والذي يسهل على العمال تغيير وظائفهم وعلى أصحاب العمل تسريح الموظفين، كما سمح هذا القانون للشركات بتخفيض الرواتب أو ساعات العمل مؤقتا في فترات تراجع الأداء الاقتصادي، وهو المعمول به في ألمانيا.

من ناحية أخرى، أقر مجلس الوزراء مؤخرا نظام "عقود التشغيل المستقبلية" لمجابهة البطالة، وهو عبارة عن عقود عمل للشباب الذي ليس لديه مؤهلات للدخول إلى سوق العمل، الهدف منه خلق 100 ألف وظيفة في عام 2013 و50 ألف في عام 2014، هذا بالإضافة إلى إقرار قانون التقاعد في سن الستين للذين بدءوا العمل باكرا، وإنشاء بنك حكومي للاستثمار لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.

والواقع أن تلك السياسات حتى الآن لم تأت بنتائج مثمرة حيث أن هذا الارتفاع المستمر في معدلات البطالة في فرنسا يأتي في إطار ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد. فقد كشفت الأرقام الرسمية عن دخول الاقتصاد الفرنسي فترة كساد، للمرة الثانية في أربعة أعوام، حيث سجل نموا سلبيا في الربع الأول من عام 2013، وكان الاقتصاد الفرنسي قد سجل تراجعا بنسبة 0.2% خلال الربع الأخير من عام 2012، وهي النسبة نفسها التي سجلها هذا العام، ويعلن الكساد عندما يسجل الاقتصاد نموا سلبيا لربعين متتاليين.

وتعاني فرنسا عجزا في ميزانها التجاري يقدر بنحو 62.5 مليار يورو، كما تجاوزت معدلات التضخم نسبة 1.6%، إضافة لذلك فقد سجلت تراجعا بمعدلات ثقة المستهلك في شهر مايو ليصل إلى 79 نقطة، وهو ما يمثل أدنى معدل له منذ خمسة أعوام، وذلك وفقا لوكالة الإحصاءات الفرنسية "إنسي".

ونتيجة لما سبق فإن النمو الاقتصادي الضروري لخلق فرص العمل يعتبر معدوما وهو ما سيؤدي بدوره إلى تأجيل هدف خفض العجز في ميزانية الدولة إلى 3% من إجمالي الناتج الداخلي اعتبارا من عام 2013، وهو الهدف الذي كانت قد وضعته حكومة أولاند الاشتراكية وفق ما يطلبه الاتحاد الأوربي.

وتخيم الأجواء التشاؤمية على المشهد الفرنسي ولا يظهر في الأفق أملا بإمكانية تجاوز أزمة البطالة المتفاقمة على المدى القريب خاصة أنها أصبحت تهدد بفقد فرنسا قوتها الاقتصادية أمام دول الاتحاد الأوربي، وانهيار شعبية الرئيس أولاند الذي جعل مكافحة البطالة على رأس أولوياته خلال سنوات حكمه الخمس.
الجريدة الرسمية