الرجل الذي قدم لمصر نور عينيه!
كان قد بلغ ١٨ عاما عندما حاولت بريطانيا وفرنسا غزو مصر ومعهم إسرائيل.. وساقه قدره وساقته إرادته إلى معسكرات المتطوعين وبعد تدريب مكثف يصبح قائدا لإحدى السرايا الشعبية المكلفة بحماية بعض المنشآت المهمة!
في إنزال جوي بريطاني اختبأت مجموعته بكمين للعدو.. إلا إن زميله “محمد أحمد” لا ينتظر لحظة الصفر ويخرج من مخبأه يطلق نيرانه على الإنجليز، فيقتل منهم حتى يستشهد، ويتسبب ذلك في كشف الكمين، ويحدث اشتباك طويل يصاب هو فيه ويفقد الوعي، ويستفيق ليجد نفسه في معسكر الإنجليز أسيرا!
بعد استجواب طويل وتعذيب وحشي يرفض الإفصاح عن أي شيء يعرفه عن المصريين ومعسكراتهم وتدريباتهم، وبشكل أذهل معذبيه، فيتقرر نقله إلى قبرص وهناك تعرض لتعذيب ممنهج على يد متخصصين.. ويظهر صمودا أسطوريا ولم يكن أمامهم إلا وضعه أمام مساومة للإفراج عنه.
اقرأ أيضا: عن الفتنة مع الصين
وهي أن يظهر أمام شاشات التليفزيون البريطاني ليقول إن المصريين يرحبون بالجيش البريطاني، وأن يدعو المصريين لإسقاط جمال عبد الناصر! يرفض.. فيعذبونه.. ثم يرفض فيعذبونه.. حتي يؤكدون له إنه لن يغادر قبرص إلا بسب عبد الناصر وإلا سيضطرون لنقل عينيه المصابين الإنجليز! وسيعرضون عليه فرصة أخيرة!
وأمام الكاميرات.. وقد بدا موافقا على العرض الإنجليزي.. لكنه يصرخ بأعلى صوته: يعيش جمال عبد الناصر.. عبد الناصر سيدكم.. سنقتلكم .. سنذبحكم.. لن تعودون لبلادكم! وكان الثمن أن فقد عينيه بالفعل!!
عاد البطل الي بورسعيد فاقدا بصره ولكن ببصيرة لا حدود لها.. ويعرف قائد المقاومة عضو الضباط الأحرار “كمال الدين رفعت” أن البطل في كازينو بالاس حيث يعسكر الإنجليز.. فيقود عملية فدائية لتحريره.. ويحررونه بالفعل وينقلونه على الفور إلى مستسفى كوبري القبة العسكري!
واقرأ أيضا: "لميس جابر" وقتل المصريين ودفنهم أحياء!
هناك يزوره الزعيم عبد الناصر الذي يحتضنه طويلا ويبلغه ومعه قادة الدولة أنه حديث العالم، وتحول بالفعل إلى نموذج ومثال للفداء والبطولة، يتردد اسمه في كل مكان بينما يبدي هو صلابة لا مثيل لها مؤكدا أنه سيفعل الأمر نفسه لو عادت به الأيام!
فتاة بورسعيدية ترسل لجمال عبد الناصر تطلب التبرع للبطل الكبير بعينيها وترسل رسالة أخرى للدكتور “نور الدين طراف”.. ويحملون العرض اليه ويرفض بكبرياء شديد.. لكن لواء طبيب “عبد الوهاب شكري” طبيبه في المستشفى يقترح عليه أن يطلب يد هذه الفتاة ويتزوجها وأنها ستكون أفضل زوجة له.
ويحدث فعلا ويتزوجها وتكون نعم الزوجة لـ ٥٣ عاما كاملة، وأكد هو أنه لم يشعر بالعمى الحقيقي إلا برحيلها بعد أن عاشت معه نعم الزوجة لأكثر من نصف قرن!!
كان هو البطل المصري “محمد مهران” ابن بورسعيد.. وكانت هي “حميدة إسماعيل” ابنة بورسعيد الحرة وكانت تلك واحدة من آلاف البطولات في ملحمة بورسعيد التي انتهت ليس بانسحاب المعتدي بل بسقوط بريطانيا كلها كدولة عظمى! وفي حين كانت تلك هي البطولات نجد “وسيم السيسي” وغيره من “لميس” و “زيدان” يهاجمون التأميم ويصفون -مع الإخوان- ملحمة الصمود الأسطورية بالهزيمة ثم نجد بيننا من يصفهم بأنهم جنود في معركة الوعي ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
٢٣ ديسمبر عيد النصر.. علمه لأولادك.. وحفظهم ما تيسر من أسماء أبطال المقاومة.. وقل لهم إنه قد خرج فيه آخر جندي بريطاني يجر أذيال الخيبة.. تاركا مصر للأبد. ليحكمها أهلها وللأبد أيضا!