في التوقيت الخطأ
متعمدا أرجأت التعليق علي فيلم “الممر” حتي تهدأ زوبعة المعارضين والمؤيدين ومعارك الفيس بوك والتخوين لمجرد إبداء الرأي في عمل فني، وأظن أنه حان الوقت للكلام الموضوعي بدون اتهامات مسبقة تتهم من ينتقده بأنه خارج عن الملة الوطنية من أوصياء الأمة الجدد، وبعد أن هدأ هؤلاء وأولئك نقول أولا إن فيلم (الممر) يؤرخ لهزيمه يونيو وحرب الاستنزاف تمهيدا لنصر أكتوبر، وليتنا نتعلم من دروس التاريخ وأخطاء الماضي.
ولكن إذاعته والاحتفاء به في ذكرى نصر أكتوبر كان في التوقيت الخطأ، لأننا في حاجة إلى فيلم اسمه "العبور"، يشرح ويفصل الحرب كاملة من لحظة الهزيمة والانكسار إلي لحظة الانتصار.. مصر تحتاج إلى فيلم قيم يكون رسالة للجيل الجديد الذي لا يعرف عن ٦ أكتوبر غير إنه يوم إجازة!
فيلم (الممر) لا يقاس بأفلام الحرب العالمية أكيد من حيث الإمكانات والقدرات المكتملة.. لكنه دون شك ترك أثرا جيدا عند معظم الناس، وحقق الهدف المطلوب منه، الفيلم فى المجمل هايل وأجاد بإبداع “إياد نصار” كالعادة لدرجة أن الجمهور صدق وراح يتوعده، وأحمد فلوكس أقنع المشاهد بأنه ضابط ابن ضابط، وأحمد رزق وفراج في المنطقة المتميزة كعادتهما، أقل اتنين مثلوا هما أحمد عز وأحمد صلاح حسنى في المنطقة العادية، وكان أي ممثل أخر بإمكانه أداء الدور، أي أن تمثيلهما بدون إبداع وفي ظني أن اختيار عز كان نقطة الضعف الوحيدة، وهو آخر واحد في جيله كان يصلح لهذا الدور..
كما لم يكن ملائما ولا من اللياقة رسم صورة المراسل الصحفي العسكري على أنه أراجوز وجبان وملطشة، في فيلم يقدم للناس على مدى سنوات وأجيال بهذا القدر من التسفيه والإساءة و الانحطاط، والأمر هكذا فإنه لا ينبغي تقييم فيلم من زاوية الوطنية، فمدحه أو نقده ليس معيارا للوطنية ولا ينبغي أن يكون كذلك، وإنما قراءته من خلال أدوات السينما، وقد صدمت عندما وجدت الفيلم بهذا المستوى بعد أن سمعت عنه الكثير من المديح، الذي لا يستحقه..
اقرأ أيضا: أضغاث أحلام
فقصة الفيلم ليس لها أساس من الواقع، لا توجد عملية عسكرية من هذا النوع، ولا هروب أسرى مصريين بل والممر، والذي لا هو معسكر ولا هو سجن، وقريب من قناة السويس بعكس المنطق، والمكان الذي أقامت فيه عناصر الصاعقة مكشوف تماما، غير معد للمبيت أو الإقامة، لا اختاروا كهفا ولا مكانا تحت الأشجار ولا خيمة، مجرد عراء عاشوا فيه أياما تحت أعين العابرين والطائرات، وعلاقة حب وزواج غير منطقية لأحد الجنود مع فتاة سيناوية، وعلاقة الأسرى بالآسرين غير منطقية.
وكأن الأسرى أندادا وأكثر قوة من آسريهم، فانتازيا غير واقعية تخاطب العقول الساذجة والقلوب الرهيفة أكثر من الوجدان والوعي، حوار خطابي غير واقعي، ومناقشات في الدين والوطنية دون بعد إنساني، مجرد مشاهد قتالية محدودة الجودة، أما المعارك فلا ترقى تقنيا لأي فيلم هندي دون المستوى وكان تجميع الشخصيات نمطية لكل أطياف المجتمع ولكن دون تفاصيل أو أبعاد شخصية مبتكرة وظهور للضابط الصهيوني بشكل نمطي أيضاً.
الحوار يعتمد علي الجمل الخبرية الموجهة تحمل صيغة الخطبة .الجنود بيتمشوا ويغنوا والمفروض أنهم حريصون على عدم انكشافهم. وهتافهم الله أكبر وهم على بعد أمتار من معسكر العدو. والمعركة الهزلية اللى حرروا بيها الأسرى.
هذا غير ملابس الجنود اللى زى الفل ومكوية، أنا باتكلم على فيلم يعنى عناصر فنية وإنسانية وإنتاج وإخراج وديكورات، ولكن.. الجو العام في التصوير لايوحي بحالة الحرب من حيث الديكور والمعدات حتي الإضاءة والتفجيرات.. بعض الدقة البسيطة في بعض التفاصيل كانت ممكن تكون أصدق.
ولقصة إذاعة فيلم الممر أيام أكتوبر دلالات علي نوعية العقليات التي تدير مشهد الإعلام الآن، وبدإت ملحمة إذاعة فيلم الممر عندما أعلنت منصة (واتشيت) أنها صاحبة الحقوق الحصرية للفيلم.. وحصل تململ من الناس لأن البعض لن يدفع ٩٩ جنيها في الشهر علشان يتفرج على فيلم كان في السينما أرخص من كده.
واقرأ ايضا: حزب الكنبة
والأهم إن الفيلم مهم معنويا ويجب نشره على أوسع نطاق.. فاستجاب المسئولون لصوت العقل وأعلنت الشركة المتحدة أن منصة (واتشيت) المملوكة للشركة.. ستهدي الفيلم لقناة أون المملوكة أيضا للشركة.. مجانا يوم ٦ أكتوبر.. وعندما غضب ماسبيرو لأن الفيلم لن يذاع على قناة الدولة الرسمية.. فقررت الشركة صاحبة الحقوق إهداء الفيلم للتليفزيون المصري ولكن على التردد الأرضي..
اللي ٧٠٪ من الشعب تقريبا لا يمتلكون إيريال (وإن كان البعض اشترى إريال خلال بطولة أمم أفريقيا)، ثم أعلنوا أن الفيلم يوم ٦ أكتوبر الساعة ١١ ليلا.. فاشتكى الناس أن الموعد متأخر جدا في ليلة تاني يوم فيه مدارس وشغل. وتم التغيير للساعة 10 وانتظر الشعب كله بجوارالتليفزيونات.. وكانت الصدمة الكبرى إن الفيلم يتخلله إعلانات، مع إن الهدف الرئيسي من إنتاج الفيلم هو رفع الروح المعنوية وإيصال رسالة لجيل ما بعد الانتصار تؤكد لهم بسالة جيشهم وشجاعته وانتصاره..
وبالفعل تحقق نحو عشرة ملايين من الإعلانات، وكان الثمن أن ترك الناس الفيلم بعد أن أفسدت الإعلانات حرارة المتابعة والتواصل، وعادت الشركة تحت ضغط غضب الناس لإعادة العرض في الخامسة من اليوم التالي، كأسوإ موعد، وكان الموعد المناسب هوالساعة التاسعة مساء بدلا من برنامج التوك شو الضعيف المشاهدة.. وهكذا عشرات القرارات في عدة ساعات نتيجة الإدارة غير المحترفة.