ظاهرة خطيرة!
في مقولته العظيمة عن مفهوم الحرية في الإسلام يقول العالم والمؤرخ الجليل شمس الدين السخاوى: "الإسلام أعطى الإنسان الحرية وقيدها بالفضيلة حتى لا تنحرف، وبالعدل حتى لا تجور، وبالحق حتى لاتنزلق مع الهوى، وبالخير والإيثار حتى لا تستبد به الأنانية، وبالبعد عن الضرر حتى لا تستشرى فيه غرائز الشر".
وفى تأكيد صريح على مبدأ الحرية في الإسلام حتى في أعلى وأصعب مراتبها، وهى حرية اختيار الإنسان للدين والمذهب الذي يعتنقه يقول الله جل وعلا: "لا إكراه في الدين"، وهو ما يمثل قمة التكريم من المولى عز وجل للإنسان في منحه الحرية المطلقة في التفكير والاعتقاد.
والسيرة النبوية العطرة تمتلئ بالعديد من المواقف الثابتة المؤكدة مع الصحابة الأجلاء التي ضرب لنا فيها رسولنا الكريم المثل والقدوة في التأكيد على ممارسة حق الحرية الفكرية لجميع الناس دون أي تعنيف أو تخويف أو تهديد أو إقصاء أو حجر.
اقرأ أيضا: قليل من الخيال مفيد!
إذًا فالإسلام قد أقر مبادئ الحرية الشخصية بصفة عامة، والحرية الفكرية بصفة خاصة منذ زمن بعيد، وهو بذلك يكون قد أعطى الحق لكل إنسان أن يكون قادرًا على التصرف في كل ما يتعلق بذاته آمنًا من الاعتداء عليه في نفس أو عرض أو مال أو عمل أو مأوى، لأنه لا يمكن لأى مجتمع سوى أن يتطور ويزدهر بدون الحرية والتعددية الفكرية.
وعلى الرغم من جميع الحقائق المذكورة بعاليه نجد في الفترة الأخيرة ظاهرة سيئة خطيرة تتنامى بقوة مع الأسف وهى ذات تأثير سلبى شديد على كل المجتمع وهى تتمثل باختصار في تواجد بعض المجموعات الجاهلة بأبجديات حرية الرأى والتعبير، والمفتقدين لأسس وآداب وأخلاقيات وثقافة الإختلاف في الرأى، والمنتشرين بكثافة على بعض المواقع المصنوعة الموجهة، بالإضافة إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعى.
واقرأ أيضا: غياب الاخلاق!
فتجدهم إذا ما تم طرح رأى أو فكر مخالف لفكرهم أو فكر من يستفيدون من تجمعهم حوله، ينطلقون في حملة سباب وتشويه جماعية مسعورة تجاه من طرح هذا الفكر أو الرأى بدلًا من مبادلته فكرًا بفكر، ورأيًا برأى، وحجة بحجة، ومنطقًا بمنطق، وإبداعًا بإبداع، وهم يمثلون بذلك بكل تأكيد خطرًا شديدًا على تماسك وأخلاق المجتمع، ويهدمون بسلوكهم السيئ هذا وبذاءاتهم الثوابت التي بدونها لا يمكن لأى مجتمع أن يخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام.
أرجو من جهات الاختصاص في الدولة أن تتدارس تنتبه لوجود هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تتخذ التدابير اللازمة لمعالجتها علاجًا جذريًا، لأن استمرار وجودها وتناميها لا يمكن أن يكون أبدًا في صالح الوطن. والله من وراء القصد.