18 عاما من «الجذام».. ميراث عائلة «عواد» مع الألم.. الجد أصيب به وانتقلت العدوى للزوجة والأبناء.. والحفيد يكسر العزلة بـ«قراءة القرآن»
«ميراث الألم».. من هنا يمكن الحديث عن «التركة» الثقيلة التي تحملها عائلة «عواد»، والتي تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل، متسلحة بالصبر والدعاء، أما الميراث فهو مرض «الجذام» الذي ضرب أركان جسد العائلة البسيطة منذ سنوات عدة، وأصبح بمرور الأعوام ضيفًا دائما على أجساد أفرادها.
بابتسامة لا تفارق وجهه البشوش، ولسان لا يتوقف عن ذكر «الحمد لله» يمارس الحاج سامي، أقدم مريض للجذام، وأحد أفراد عائلة الحاج عواد، حياته بعدما ابتليت العائلة بهذا المرض منذ زمن بعيد، لتعيش في رعب من شبح المرض الذي يراودهم بين الحين والآخر من الإصابة بهذا المرض الذي لازم العائلة.
«عائلة عواد» تعيش حالة من العزلة، بسبب خوف الناس منهم أن ينتقل المرض إليهم، حتى جاءت لحظة «الفرج» عندما بدأ صوت «الحاج سامي» يردد آيات القرآن الكريم، لينهي سنوات من العزلة الإجبارية التي فرضت على العائلة البسيطة.
«سامي» بالنسبة لمرضى الجذام في مدينة بنها، التابعة لمحافظة القليوبية، يتمتع بمكانة خاصة، لا سيما وأنه يمتلك خبرة كاملة بالمرض ومعايشة طويلة معه، ومنه يستمد المرضي الأمل، ليتمكنوا من التغلب على المرض والتعايش مع ما بقي لهم من حياتهم دون أن يقتلهم الخوف من المرض أو تسيطر عليهم هواجسه فينهون حياتهم سريعًا.
الحاج سامي محمد عواد.. من قرية سندبيس التابعة لمدينة قليوب بمحافظة القليوبية، يعد أقدم مريض في عيادة الجذام بمدينة بنها يبلغ 49 عاما، الجد «عواد» أصيب منذ سنوات عديدة بمرض الجذام، عندما كان المرض مزمنا ويؤدي للموت ويعتمد في علاجه على الضمادات و«الغيار» على الجروح وفقط، وبعدها ورث الأب محمد المرض، والذي عاش بالمرض 35 عاما لينتقل إلى شقيقتيه وبعدها زوجته ويتسبب في بتر قدميها ثم وفاتها، لينتقل بعدها إلى الابن «سامي» الذي اكتشفه مبكرا وخضع للعلاج في المراحل الأولى ومستمر حتى الآن في تعاطي الأدوية الخاصة به ليأمن مضاعفته.
التعايش مع المرض يحكي «سامي» قصته في التعايش مع المرض بالإشارة إلى أنه «ولد ليري والده المصاب بالجذام ينهش المرض في جسده يوما بعد يوما، وكان يتألم كثيرا منه ولا يوجد له علاج مثل الآن، واستمر المرض معه على مدار 35 عاما ليجلسه في المنزل دون وجود عائل للأسرة، ما دفع والدته للعمل خادمة في المنازل لتنفق على الأسرة لتصاب بنفس المرض أيضا بعد فترة معينة وينهك جسدها، ويجعلها لا تقوى على العمل، وتملّك المرض منها إلى أن تم بتر قدميها على مدار عامين، وظلت تكابد أوجاع المرض حتى وفاتها».
رحلات العلاج وأوضح «سامي» أنه طوال تلك الفترة كان يرافق والديه ذهابا إلى العيادات الطبية في مختلف المحافظة ليأخذ «غيارات» طبية يضعها الشخص على أطرافه وكانت لا تستطيع إيقاف المرض، فقد رأى هذا المرض يوما بعد يوما ينهش جسد الأب والأم، معترفًا بأنه كان يصيبه الخوف أحيانا من خدمتهما من حيث تلبية متطلباتهما ومساعدتهما في النظافة الشخصية، لكنه خشي من الوقوع في عقوق الوالدين بعد أن هجرهما الجميع من الأهل والأصدقاء، فلم يتبق لهما سواه بعد الله، فوهب حياته في خدمتهما ولم يترك عيادة الجذام بعد وفاتهما بعد أن حمل المرض بعدهما.
حلم التعليم ضاع «سامي» ترك التعليم عندما كان في الفرقة الأولى لكلية الطب، ليعمل في الأعمال الحرة في سن مبكرة للإنفاق على الأسرة، وقد كان والده يحاول التغلب على مرضه وألمه بتعليمه القرآن الكريم ويداوم عليه معه حتى استطاع أن يحفظه سامي من والده عن ظهر قلب وقال له: «ده اللي هيطمنك ويحارب المرض وتقابل ربنا بيه»، وبالفعل كان القرآن دواءً له واطمأن قلبه، وأوضح «سامي» أنه أحب القرآن الكريم وتعلق به، وكان يصلي بالناس إماما فأعجب الأهالي بصوته ونقائه فأصبح يقرأ في المناسبات والمآتم، ووثق الناس به منذ 18 عاما وحتى الآن، وكانت قراءة القرآن الكريم أولى مراحل التغلب على العزلة التي كان يعيش فيها كل أفراد منزله بسبب مرض الجذام وخوف الجميع منهم، بل وتبارك البعض برقيته الشرعية للأطفال التي تساهم في تهدئتهم وتخفيف الحسد، ووضع يديه على الأطفال دون أن يخشى الأهالي على أبنائهم منه، مرجعا السبب في حب الناس إلى أنه نال رضا والديه، كما وجّه «سامي» نصيحة إلى كل مرضى الجذام، مطالبًا إياهم بالبحث عن عمل يحبونه ليتمكنوا من التغلب على خوف الناس منهم، ويكسروا السور بينهم وبين الناس ويتعايشوا معهم.
معاش شهري يتمنى «سامي» أن يحصل على مساعدة أو معاش شهري يضمن له ولنجلتيه المصابتين بفقدان البصر حياة كريمة، لا سيما وأنه لا يملك عملا بشكل ثابت ومستمر يؤمن حياة الأسرة، كما يتمنى من كل شخص ما زال ينظر إلى الجذام كوحش تغيير فكرته ويعرف أنه مرض عادي وسهل التغلب عليه، وأن المريض ليس «بعبع» ليخشاه الناس.