الصحافة فين
الحديث عن «مشاكل» الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص أعتبره خوضا في أسرار عائلتي وكشفها علنا للرايح والجاي، كوني أحد أفراد الجماعة الصحفية -كما نطلق على أنفسنا- ومع ذلك يبدو الجرح متقيحا لدرجة لا ينفع معها الكذب ولا يشفع فيها الستر. فالحق يقال إن الصحافة والإعلام بعافية حبتين «بل تلات أربع خمس حبات».
ولسنا هنا بصدد تعديد أسباب مرض الإعلام، لكني سأجتهد لإلقاء الضوء على بعض ملامح «الفساد» في بلاط صاحبة الجلالة –سابقا– وفي دهاليز الفضائيات..
في بداية الألفية الجديدة عملت في عدد من الصحف «الخاصة» والتي كانت تصدر بتصريح من المجلس الأعلى للصحافة، ما يؤهل العاملين فيها للانضمام إلى نقابة الصحفيين، وهي الجهة الشرعية الوحيدة في مصر التي تصبح بعضويتها «صحفيا» تعترف به الدولة..
واقرأ أيضا: سيما اونطة
وقانونا لا يصبح الممارس لمهنة الصحافة صحفيا إلا بعد تعيينه في جريدة مصرية تصدر بانتظام، على أن يكون مؤمنا عليه لثلاثة أشهر على الأقل قبل تقديم أوراقه للنقابة (ملف تعده الجريدة عن الصحفي يشمل عقدا وخطابا من رئيس التحرير...) للعرض على لجنة القيد، التي لها الحق في قبول أو رفض المتقدم بعد اختباره في مقابلة يديرها ثلاثة من أعضاء مجلس النقابة..
بالنسبة للغلابة ممن ليس لهم «ضهر»، فإن عليهم المرور بفترة هي الأصعب في تاريخهم المهني، حيث العمل لسنوات طويلة بدون أجر، ثم مكافأة، وصولا إلى مرتب ثابت لكنه لا يكفي حتى «الشاي والدخان»، وبعدها إما أن يتم إرسال أوراقه لفضيلة المفتي – اي طرده من الجريدة– أو إرسال أوراقه للنقابة..
أما ابن المحظوظة من كان له «ضهر»، فلم يكن عليه المرور بالسراط المستقيم، إذ يكفي أن يكون صديقا لرئيس التحرير أو صاحب المحل، أو موصى عليه من «أحدهم»، فضلا عن المجاملات التي استفاد منها جالبو الإعلانات –مع إن ذلك يتعارض ولائحة النقابة– وكذلك السكرتارية وأفراد الأمن والسائقين والمحاسبين وغيرهم ممن يقومون بأعمال إدارية ليس لها علاقة بالصحافة..
واقرأ أيضا: اقتل مديرك.. وابتسم
شخصيا أعرف زملاء أفنوا سنوات وسنوات في العمل الصحفي، لكن عند اللحظة الفارقة تم طردهم، وعين بدلا منهم أقارب ومحاسيب وأصدقاء ومعارف، بينما تقف النقابة عاجزة عن إنصاف هؤلاء «المظلومين» لأنها نقابة «حاملي الكارنيه» وفق القانون، ولا ولاية لها ولا سلطة لإجبار الصحف على تعيين هؤلاء الزملاء، لكني لا أغفل الجهود الودية للنقابة في بعض المواقف المشابهة نجحت فيها في رد الحق لأصحابه..
هذه اللفة الطويلة، مجرد محاولة لإيضاح الصورة كي نرى المشهد جليا، فبين من يتصدرون المشهد الإعلامي «مغتصبون» لحقوق ليست حقوقهم، طمعوا في «بدل» نقدي يضمن لهم مبلغا شهريا من المال دون عمل، ووجاهة في زمن كان للصحفي فيه شنة ورنة..
وفي المقابل يبدو المشهد مزريا في بعض الفضائيات التي تبيع «الهوا»، فلا تعجب حين ترى مذيعا أو مذيعة لا يعرف الفرق بين «النهوض» و«النهود»، لكنه يملك من المال ما يمكنه من استئجار «ساعة هوا» ليكتب على الشاشة قبل اسمه لقب «إعلامي» غصبا، ويستضيف خلالها من يدفع أكثر ليقدمه على أنه خبيرا في كذا أو مطربا موهوبا يصدح بصوته «ما خلاس خلااااااااااااااااااس».
ما ذكرته غيض من فيض، فأعراض المرض كثيرة، والأسباب أكثر وأكبر من مجرد صحفي أو إعلامي «بالعافية»، فمن يدير هو المسئول.. كما أن «الكلمة» تم تسليعها وفقا لقانون السوق، حيث الإعلام يتأثر ولا يؤثر، فحيث وجدت الــ« Trend» ولي وجهك.. وابحث عن الـ« views» تربح.. ولا تنتظر الخير من الجالسين على العروش.