بطء اتخاذ القرار الجريمة الأكبر!
لا بد من إطلاق يد الأجهزة الرقابية لاسيما جهاز المحاسبات المنوط به متابعة الجوانب المالية بالجهات الحكومية في تصويب الأخطاء فور اكتشافها، دونما انتظار إجراءات طويلة تسمح للمجرم بالإفلات بجريمته.. وذلك يتطلب مثلا الوقف الفوري لأي قرارات خاطئة يتخذها أي مسئول تحقيقاً لمبدأ الرقابة السابقة لا اللاحقة.
من الإنصاف أن نعترف بقصور بعض التشريعات التي جعلت القانون أداة طيعة في أيدي الفاسدين، يوظفونه كيفما شاءوا خدمة لمصالحهم الخاصة.. وبالمثل صارت المجاملات فساداً أكبر بشهادة الرئيس السيسي نفسه.. كما أن بطء اتخاذ القرارات خيانة لا سبيل إلى الخلاص منها إلا بمزيد من الإجراءات الحمائية، التي تضمن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
والسؤال الكبير: كيف نتخلص من مسببات الفساد ودوافعه وليس نواتجه أو أعراضه فحسب، منطق الأشياء يقول إن علينا أن نغلق حنفية الفساد قبل التفكير في شفط مياه الحوض، وإلا سنظل ننزح هذا الحوض طويلاً، مادامت الحنفية مصدر التلوث مفتوحة على آخرها.
البرلمان هو رأس الحربة في معركة الدولة مع الفساد، ولا سبيل لكسبها إلا بإنشاء بنيان سوي من القوانين بعد نسف غابة التشريعات التي تسمح بالفساد وتفتح أمامه الأبواب واسعة.. ولعل الأجواء مهيأة لاجتثاث الفساد من جذوره بفضل الإرادة السياسية الجادة فعلا في مواجهة أي فساد، والوقاية من آثامه باهظة الكلفة التي تتحملها الأجيال الحاضرة والقادمة على السواء، وترهق الخزانة العامة وترفع كلفة الخدمات على المواطن، الذي يتعذر عليه الحصول عليها إلا بشق الأنفس، وهو ما يترك أثراً سلبياً في نفسه ويزيده إحساساً بالظلم والأنانية ويقلل من دوافعه ورغبته في الإنجاز وأداء الواجب، ويوسع نطاق الجريمة ويهدد بانهيار المنظومة الأخلاقية.
وإذا كانت الحكومة هي المسئولة الأولى عن مكافحة الفساد واقتلاعه من جذوره.. لكنها ليست الوحيدة المنوط بها تلك المهمة؛ ذلك أنها مسئولية مجتمعية تتطلب مواجهة ثقافة سكتت وكرست وباركت واحتضنت منظومة الفساد حتى تضرر منه الجميع وبات لزاماً عليهم تغيير تلك الثقافة المتجذرة فيهم؛ فتلك مهمة أكبر من أن يقوم بها طرف واحد مهما تكن قوته.. فتغيير القناعات لا يتأتي بقرار فوقي بل بإيمان واقتناع وضمير حي من الجميع.