رئيس التحرير
عصام كامل

قراءة في آية


قراءة اليوم في قوله تعالى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".. في هذه الآية الكريمة يبين لنا الحق عز وجل المصدر الرئيسي لاطمئنان القلب وهدوء النفس وراحة البال، فإن القلب إذا بلغته الطمأنينة هدأت النفس وخلت من الأمراض النفسية والعصبية، وإنشرح الصدر واستراح البال، وشعر الإنسان بالهدوء والسكينة، وتحلى بالحلم وتقبل ابتلاءات الله عز وجل برضاء نفس وصبر جميل، واتزن العقل ورشد وظهر نوره، وأصبح له القدرة على دفع أهواء النفس وزيغها وميلها.


وهذا المصدر هو ذكره تعالى، وللذكر صور متعددة وكثيرة، منها ذكر اللسان وذلك بقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل.. وقول لا إله إلا الله، والاستغفار، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وأذكار الصباح والمساء، والكلمة الطيبة فهي صدقة.

وهذا النوع من الذكر رغم يسره وخفته على اللسان إلا وفيه المثوبة والأجر العظيم. ومن أسراره أن الملائكة الكرام الكاتبين والحفظة الذين يتناوبون حفظ الإنسان تحب العبد الذاكر، وتذكر الله تعالى معه، ويكتب ذلك في صحيفة العبد، هذا وبمجرد أن يتحرك لسان العبد بذكر الله يقام العبد في معية الله جل جلاله لقوله جل وعلا: "أنا مع عبدي ما تحركت شفتاه بذكري". 

ثم يأتي بعد ذلك ذكر القلب، وهو ذكر السر في باطن العبد، ولا يتأتى ذلك إلا بعد خلو القلب من حب الدنيا وطرح العلائق، والأغيار، وعدم تعلقه بشيء سوى محبة الله تعالى، وذكر القلب هو نبض القلب ونطقه باطنا بالتسبيح والتهليل، بعد استواء ذكر اللسان وتطهر القلب، وتشبع ذرات تكوين العبد الذاكر بالنور على أثر ذكره. 

وهذا كان حال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله كما أخبرت أم المؤمنين السيدة "عائشة" رضي الله عنها، حيث قالت: "كان رسول الله إذا نامت عيناه فالقلب لا ينام". فقد كانت تسمع صوت قلبه الطاهر الشريف يذكر الله وهو نائم. 

هذا وهناك ذكر العقل وهو نظره في الآيات الكونية والتفكر والتأمل فيما تحمله من مظاهر العظمة والقدرة والأبداع الإلهي، وقيموميته سبحانه وتعالى وهيمنته وإحاطته بعوالم الكون وإدارته لها بإتقان وانتظام وحكمة.. "لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ".. وهذا الذكر يسمى بذكر المشاهدة والتأمل..

ثم يأتي ذكر الجوارح وهو ذكر كل جارحة في جسد الإنسان.. من ذلك ذكر العين.. بالغض عن المحارم.. وذكر الأذن.. باجتناب سماع الغيبة والنميمة والتصنت والتجسس. وذكر اللسان كما ذكرنا من قبل بالإضافة إلى الابتعاد عن شهادة الزور، والقول الفاحش البذيء.

ثم هناك ذكر الصدر وذلك بتطهيره وخلوه من الغل والحقد والكراهية والحسد، وصاحب هذا الذكر هو صاحب القلب السليم. وهناك ذكر الله تعالى عند الأمر والنهي، وهو يعني الاستقامة على منهج الله تعالى، وهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وتنفيذ الأوامر الإلهية التي أمر بها الحق سبحانه، وكذا الأخذ بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وإقامة سنته والتمسك بها.

هذا وللبطن ذكر وهو الإمتناع والإمساك عن المطعم الحرام والذي فيه شبهة وتحري ما يدخل فيها من طعام وشراب.. وهناك ذكر للفرج بتجنب الزنا واللواط.. وذكر الأيدي بتجنب السرقة والبطش وأن لا تمتد إلى ما حرم الله ولا تبطش.. وللقدم ذكر وهو إمساكها عن خطوات السوء والمعصية.

هذا ولذكر الله تعالى فضل عظيم أجل من أن يحصى، وهو أحب الأعمال والعبادات إلى الله تعالى في الحديث القدسي يقول عز وجل: "أنا جليس من ذكرني. أنا حبيب من ذكرني.. أنا أنيس من ذكرني.. من ذكرني في نفسه.. أي سرا.. ذكرته في نفسى.. ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ عندي خير من ملئه".

ويقول عز وجل أيضا في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي.. أي عن الطلب مني.. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".. وقد جاء في السيرة النبوية العطرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان في مجلس أصحابه رضي الله عنهم فقال لهم: "ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها وأحبها إلى مليككم عز وجل وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الورق والذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم.. أي الجهاد في سبيل الله تعالى.. قالوا: بلى يا رسول الله.. قال: ذكر الله".

وعنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أن تلقى الله ولسانك رطب بذكره"... هذا وعندما وصف الحق عباده المؤمنون الذاكرون وصفهم بأولي الألباب أصحاب العقول السليمة النيرة الرشيدة الخالية من الأهواء، فقال سبحانه: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". 
وفي الختام الذكر هو غذاء القلب والروح، وبه يحيا الإنسان ويسعد في الدنيا والآخرة.
الجريدة الرسمية