رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني يكتب: الوفاء أصبح عملة صعبة

الكاتب الساخر محمود
الكاتب الساخر محمود السعدنى والفنان كامل الشناوى

إذا حان حينى وانتهى العمر..إنه عزيز على نفسى مذاق حياتنا.
أمثواى في لحد من الأرض طيبا.. وما كنت بالدنيا العريض راضيا 
بهذه الكلمات كتب الشاعر الراحل كامل الشناوى "رحل في 30 نوفمبر 1965" يعبر عن نهاية أجله.


وفى مجلة روز اليوسف نوفمبر 1967 كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى مقالا عن الراحل الفنان كامل الشناوى يؤكد فيه عدم وفاء الكتاب والصحفيين والفنانين له قال فيه:
عندما يموت شاعر فنان وكاتب كبير، إنسان كان قلبه أكبر ما فيه، موهبة أصفى ما فيه، ولسانه أذكى ما فيه، عندما يموت إنسان من طراز كامل الشناوى ولم يرثيه أحد بعد عامين في يوم ذكراه.. فإنه خير للإنسان أن يحترف بيع الفاكهة في سوق روض الفرج وأنه على الأقل سيجد من يرثيه من الباعة والمترددين على السوق.

وعندما يموت رجل كانت حياته للناس ووقته للناس وأغانيه للناس، ولا يجد من يجدد ذكراه بعد عامين إلا إسماعيل النقيب في الأخبار فإنه خير للإنسان أن يعتزل الإنسان وأن يعيش في كهف على قمة جبل بعيدا عن الخلق كله، أو في مخبأ بين أشجار غابة فلربما يجد في دنيا الحيوان من يبكى عليه بعد مماته ويذرف عليه دمعة في يوم ذكراه.

حتى الصحف اليومية الكبرى تجاهلت يومه وكأن لم يكن يوما رئيسا لتحريرها جميعا، وأين جمعية الأدباء التي تؤبن مشكورة.. برعى وأبو سريع وشوكت أغا ولكنها لم تذكر أبدا شاعرا عظيما مات منذ سنتين.

أين تلاميذ وأحباب وأصدقاء كامل الشناوى، أين المطرب الكبير الذي يستطيع أن يقيم سرادقا يجتمع فيه أصدقاء كامل جميعا يستعيدون ذكراه، أين الملحن الصاعد والمطربة الحالمة، أين عشرات الصحفيين والكتاب والشعراء الذين كان يسأل عنهم وهم أحياء فلماذا نسيه هؤلاء وهو ميت.. لقد ذهبت إلى بيت كامل ليلة ذكراه فوجدته مظلما.

أن يموت كامل الشناوى أو ينسى فليست هذه هي المسألة، ولكن أن ينساه أقرب الناس اليه، وأن يتجاهله حتى هؤلاء الذين كان كامل بالنسبة لهم ساترا يمنع عنهم شظايا الظروف، ومدافعا يرد عنهم غارات الحياة، ونهرا من الحب وحصنا من الحنان.

أن ينساه هؤلاء.. فهنا المصيبة وهنا ينبغي للإنسان أن يخشى دنيا الإنسان فأغلب الظن أن الوفاء أصبح عملة صعبة، أو لعله سلعة دخلت التسعيرة فاختفت من السوق.
الجريدة الرسمية