اتفاقية مشبوهة بين تركيا وحكومة السراج.. أردوغان يسعى لتكرار السيناريو السوري.. الحكومة الليبية المؤقتة والبرلمان يستنكران.. ومصر تعرب عن مخاوفها.. وخبراء: الاتفاق غير قانوني وسيظل حبرا على ورق
شهدت الأزمة الليبية تطور خطير في الساعات الماضية، تجسد في توقيع حكومة الوفاق الوطنى توقيع اتفاقا أمنيا مع تركيا، يقضى بفتح المجال الجوي والبحري أمام الجيش التركى.
إعلان الرئاسة التركية
أعلنت الرئاسة التركية أمس الخميس، أن حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يرأسها "فايز السراج" قد وقعت اتفاقا عسكريًا جديدا مع أنقره.
وقالت الرئاسة التركية إن اتفاق "التعاون العسكري والأمني" تم توقيعه مساء الثلاثاء الماضي خلال لقاء جمع الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، في إسطنبول.
وأوضح مدير الاتصال في الرئاسة التركية "فخر الدين ألتون"، أن النص الجديد هو "نسخة أوسع من اتفاق التعاون العسكري المبرم" بين البلدين.
وأكد فخر الدين أن الاتفاق الجديد سيعزز العلاقات بين الجيشيين، داعيا الأطراف الفاعلة المسئولة الأخرى، إلى دعم حكومة السراج المعترف بها من جانب الأمم المتحدة.
ويأتي هذا الاتفاق بالرغم من الدعوة التي أطلقتها الجامعة العربية للدول الأعضاء، بوقف التعاون مع تركيا وخفض تمثيلها الدبلوماسي لدى أنقرة، على خلفية الهجوم الذي تشنه في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد.
ولكن رفضت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا وقطر وإيطاليا الانصياع لقرارات الجامعة العربية ووقعت الاتفاقية مع أنقرة.
الحكومة المؤقتة ومجلس النواب
وأعلنت الحكومة الليبية المؤقتة رفضها القاطع لاتفاقية الدفاع المشترك التي أبرمها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقالت الحكومة الليبية المؤقتة في بيان تلقت "فيتو" نسخة منه، إن الاتفاقية تمثل غطاء من "الوفاق المزعوم" لتحقيق مطامع أردوغان الاستعمارية عبر إيجاد موطئ قدم له في ليبيا، وشددت على عدم شرعية الاتفاقية لكونها تتطلب مصادقة مجلس النواب المنتخب.
وأشارت الحكومة المؤقتة إلى أنها تهدف إلى تقويض جهود القوات المسلحة الليبية في اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس وطرد المليشيات المسلحة منها.
وأضاف البيان: "إن الحكومة المؤقتة تؤكد رفضها القاطع والتام لمثل هذه الاتفاقيات غير الشرعية لكونها مبرمة من غير ذي صفة، بموجب أحكام القانون والمحاكم الليبية".
وطالبت المجتمع الدولي والمبعوث الأممي في ليبيا، بالتحقيق في كسر تركيا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتزويد "الوفاق غير الدستوري" بالسلاح الذي ذهب إلى الإرهابيين بما يهدد السلم والأمن الدوليين.
وتابع البيان: "نشدد على نرفض أي اتفاقيات مشبوهة كهذه، وندعو الجميع لتحمل مسؤولياتهم تجاه منعها وعدم العبث بأموال الليبيين وأرزاقهم لأجل تحقيق مكاسب ومصالح ضيقة".
كما أكد مجلس النواب الليبي رفضه لهذه الاتفاقية، محذرا من عدم وقوف الجيش الوطنى الليبي مكتوف الأيدي أمام الاحتلال التركى الذي يتم بمباركة السراج.
حبر على ورق
ومن جانبه وصف مدير عام مركز الأمة الليبي للدراسات الإستراتيجية، محمد الأسمر، محاولات حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لإبرام اتفاقيات دفاع مشتركة مع تركيا بأنها "مجرد حبر على ورق".
وقال الأسمر في تصريحات صحفية: هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها حكومة الوفاق لإبرام اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، فقد تم طرح توقيع هذا الاتفاق خلال زيارة السراج لإسطنبول في شهر نوفمبر 2018، واعيد نقاش ذلك في زيارة أخرى في 5 يوليو الماضي، إلا أن هذه المحاولات تبقى حبرا على ورق، لأن المجلس الرئاسي ليس من صلاحياته إبرام مثل هذه الاتفاقيات الدولية بناءً على المادة 17 من الإعلان الدستوري، والفقرة ج من البند الثاني من المادة الثامنة والمادة الرابعة عشر من الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات، الذي أنتج حكومة الوفاق، والمواد من 19 إلى 25 من اتفاق الصخيرات.
خطر على مصر
ويرى المراقبون أن هذا التطور ومساعى أردوغان للتواجد في الأراضي الليبية عسكريا، على غرار السيناريو السوري، يمثل تهديدا صريحًا واستهدافًا لمصر التي ترغب أنقرة في التواجد على حدودها الغربية، وأمام مياهها الإقليمية في البحر المتوسط في ظل العداء الذي يضمره الجانب التركى للقاهرة، ورغبته في الاستيلاء على حقول الغاز المملوكة للقاهرة في المتوسط.
كما يحمل التواجد العسكري التركى تهديدا إرهابيا، من خلال السماح بفتح الأجواء والمياه الإقليمية الليبية أمام الجيش التركى، بمباركة حكومة الميلشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، الأمر الذي يسهل على أردوغان نقل عناصرها وميلشياته المسلحة سواء من داعش أو القاعدة أو الإخوان من سوريا إلى ليبيا، وهى الرغبة التي تتملكه منذ أعوام بهدف خلق وطن بديل لهذه العناصر التي رفضت دولهم تسلمهم أو عودتهم.
وبحسب المراقبون فالهدف الأساسي للأتراك من التواجد في ليبيا، هو خلخلة الأمن القومى المصري وعدم السماح بعودة القاهرة إلى خلق توازن إقليمى، بعدما اعتادت أنقرة على اللعب منفردة في منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروعها الذي وجد تناغم مع المشروع الإيرانى وحتى الإسرائيلى.
وثائق مسربة
تزامن الإعلان عن توقيع هذه الاتفاقية أيضا، مع ظهور وثائق مسربة تكشف خرق تركيا لحظر التسليح الدولي المفرض على ليبيا منذ عام 2011.
وكشفت الوثائق الليبية وجود تحويلات مالية من عدة جهات محلية لشركة SSTEK التابعة لرئاسة صناعات الدفاع التركية التي يرأس إدارتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب الوثائق المسربة فقد طلبت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق من مصرف ليبيا المركزي، تحويل مبالغ في عدة مناسبات لصالح الشركة التركية، لغرض ما سمته توريد احتياجات خاصة لصالح وزارة الداخلية.
وتملك شركة "BMC" التركية المتخصصة في صناعات الآليات المدرعة التركية 55 % من شركة SSTEK.
وتعتبر BMC"" هي الشركة التي قامت بتصدير الآليات المدرعة التركية إلى طرابلس قبل أشهر، لدعم الميليشيات هناك.
قاعدة عسكرية في ليبيا
وكشف تقرير للأمم المتحدة في وقت سابق، انتهاك تركيا لقرارات حظر التسليح، مؤكدا الاتهامات التي وجهها الجيش الوطني الليبي إلى تركيا، بمساعدة الميليشيات التابعة لطرابلس.
كما أكد التقرير أن قرارات مجلس الأمن بتمديد حظر توريد السلاح إلى ليبيا، وتفتيش السفن المتجهة إليها، لم تمنع تركيا من تهريب السلاح للميليشيات في البلد الغارق في الفوضى.
بيان الخارجية المصرية:
ومن جانبها أدانت وزارة الخارجية المصرية مذكرتي التفاهم في مجال التعاون الأمني، وفي مجال المناطق البحرية، الذي وقعته الحكومة التركية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج.
وأكدت الوزارة في بيان لها، أن مثل هذه المذكرات غير معترف بها قانونيًا، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء المادة الثامنة من اتفاق "الصخيرات" السياسي بشأن ليبيا، والذي ارتضاه الليبيون، وحدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحةً على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل، وليس رئيس المجلس منفردًا هو المخول بعقد الاتفاقات الدولية.
وقالت الخارجية المصرية: "من المعروف أن مجلس رئاسة الوزراء منقوص العضوية بشكل بَيّن، ويعاني حاليًا من خلل جسيم في تمثيل المناطق الليبية، ومن ثم ينحصر دور رئيس مجلس الوزراء محدود الصلاحية، في تسيير أعمال المجلس، وأن كل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أية دولة أخرى يعد خرقًا جسيمًا لاتفاق الصخيرات".
وأوضحت أن توقيع مذكرتيّ تفاهم في مجاليّ التعاون الأمني والمناطق البحرية وفقًا لما تم إعلانه، هو غير شرعي ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط.
وحثت جمهورية مصر العربية المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسئولياته، لمواجهة هذا النهج السلبي الذي يأتي في توقيت دقيق للغاية تتواصل فيه الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء الليبيين، في إطار مسار برلين للتوصل لاتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية بها، ويساهم في محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن، وتعبر مصر عن مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية جراء هذه التطورات السلبية.