حكاية التغيير في مصر
أتذكر جيدا مشهدا لا ينسى عندما كان الأستاذ مكرم محمد أحمد يخاطب ميدان التحرير، من على شاشة التليفزيون المصرى، ناصحا الشباب بأن التغيير إذا جاء من قلب النظام فإن ذلك أعظم أثرا، وأقل كلفة من التغيير بالثورات.. ظل الرجل طوال يوم كامل يتحدث عن الصورة الظلامية التي قد تؤول إليها الأحداث، إذا ما مضت في طريقها.. الثوار اتهموا مكرم بنفاق مبارك، ومع ذلك ظل الرجل على موقفه، كان يقول إن الثورة ليست نزهة وإن عواقبها ليس من الضروري أن تؤدى إلى نجاح.
مازالت كلمات مكرم محمد أحمد تدق كالجرس في أذنى، خاصة وأن الأحداث التي عشناها وعايشناها بعد ذلك قد آلت إلى ما كان يحذر منه رجل بحكمة وخبرة ونضج كامل، عاش من الأحداث، وقرأ ما هو أعمق وأبعد من الأحداث السطحية.. آلت الأمور إلى هزة عنيفة في الأمن والاستقرار، وقفزت تيارات الإرهاب لتعتلى السلطة وتتصرف في دولة بحجم مصر، كما لو كانت عزبة نائية من خريطة العالم.
التغيير من داخل النظام دائما أقل كلفة وأعظم أثرا، ويدفع الجماهير لتلتف من جديد حول بلادها وقادتها، خاصة إن استوعب صناع القرار ما يجري وما يدور حولهم، وكيف سارت أمور في غير الطريق الصحيح، وكيف أهملت الأمانة، وسارت الأمور في غير نصابها الطبيعي، وكيف تحملت البلاد أوزارا كان من الممكن ألا تحدث، وكيف أرهقت الإدارة غير الرشيدة حقوقا، وكيف ارتفعت حدة الحقد والكراهية.
فعلها جمال عبد الناصر بعد نكسة يونيو عندما استفاق على أطلال مشروع كان في يوم من الأيام حلم الأمة كلها، وحلم الساعين إلى التحرر.. أدرك عبد الناصر أن هناك من عبث بمشروعه، وحاد عن الطريق، وقرر التخلص من كل يد خربت وبدأ بناء القوات المسلحة الحديثة بعيدا عن الوهم الذي سكن البلاد وأضل العباد.
فعلها الرئيس الشهيد أنور السادات في ثورة التصحيح ، عندما قرر متآمرون نشر حالة الفراغ الدستورى..لملم أوراقه وحزم حقائب الإصرار على عاتقه، وتخلص من كل يد تخرب وكل متآمر عتيد، وأكمل مشوار الانتصار، وحرر الأرض، وأقام النموذج التعددي الثانى، لتطل شمس الحرية التي ظلت منقوصة حتى قيام ثورة يناير.
اليوم ما أحوجنا لتعلم دروس الماضى، لنبني وطنا يسع الجميع.. وطنا قويا بأبنائه وبقدراته وبإرادته..وطنا يزخر بالتنوع.. نبني من داخل النظام نموذجا يليق بوطن هو الأقدم على ظهر الكرة الأرضية.. تحية لكل يد تبنى من الداخل، ومواجهة حاسمة لكل من تسول له نفسه أن يحيد عن الطريق أو يعبث بالبوصلة.