رئيس التحرير
عصام كامل

القدوة والمنظومة القيمية للمجتمع


القدوة الحسنة بمثابة سرج منيرة تضئ سبل العابرين على جسور الحياة، وقناديل تهدى نفوس الحيارى إلى طريق الصلاح والخير، وفي غياب القدوة الحسنة تظلم الحياة علينا، وتتقطع بنا السبل فنضل الطريق القويم، وتطغى علينا نفوسنا الأمارة بالسوء، فما نلبث أن يجرفنا طوفان السلبية والجهل والتخلف..


فتظهر عورات المجتمع جلية، وتنهار المنظومة القيمية، فتغيب قيم الجمال والعلم والتفكر والتعاون والعمل والإخلاص والتراحم والتعاضد والإيثار والخدمة العامة، لحساب العادات السلبية المقيتة، فيعم القبح وتنتشر العشوائية والبلطجة والفهلوة والتناحر والرشوة والمحسوبية والنفاق والكذب والخيانة والتآمر والحسد والبغضاء..

فتتدنى الأخلاق وتتسع الهوة ليس بين الأجيال فحسب، وإنما داخل الجيل الواحد والبيت الواحد، فيشتد الصراع النفسي والروحي فتكثر الأمراض النفسية، وتنعدم الثقة ويصبح المجتمع بيئة خصبة لانتشار الشائعات، ويجد البعض متعة في ترويجها، فتكون ثغرة ينفذ منها أعداء الوطن والدين لتفكيك المجتمع وتغييب وعيه ومن ثم الانقضاض عليه.

فإذا ما صدقت النوايا وصحت العزائم وصفت النفوس، وحَسُن العمل فيكون خالصا لوجه لله وللوطن وتكاتف الجميع فلم تتفرق بهم السبل ولم تتقاذفهم أمواج أطماعهم، وقدموا مافيه صالح الوطن والأمة على أهوائهم ووساوس نفوسهم، وسعوا إلى خدمة المجتمع بدلا من تحقيق أمجاد شخصية، وحرصوا على تقديم القدوة الحسنة والمثل العليا للأجيال المختلفة، وأحيوا في نفوسهم محاسن الأخلاق وقيم العلم والتفكر والعمل والتسابق إلى سبل الخير وخدمة الوطن والمجتمع..

وقدموا لهم القدوة في ذلك ووطننا غني عبر تاريخه المجيد الممتد بآلاف النماذج من القدوات الحسنة في مختلف المجالات على تعددها، وفي جميع الظروف على تباينها، بما يزرع في نفوس الأجيال المختلفة الأمل والقدرة على العمل ويفتح أمامهم سبلا ظنوا أنها مؤصدة في وجوههم مما يعطيهم قوة دفع لتحقيق طموحاتهم، وطاقة إيجابية للتغلب على كافة المعوقات والسلبيات التي تكتنف مسيرتهم، ويحصنهم من الطاقة السلبية ودعاوى الاحباط واليأس والتثبيط والركون إلى الأرض..

فيسعون في الأرض للبناء والتعمير والتطوير والتحديث والتطوير، ويطرقون أبوابا لم يسبقهم إليها أحد، فيكون لهم السبق، أو يصلون إلى أفق جديد خيل لمن قبلهم أنه من المستحيل النيل منه.

ولا ريب أن القدوة الحسنة لها تأثير بالغ على الأجيال الصغيرة وتلعب دورا مهما في تنشئته، ومثلها في ذلك مثل الدماء في العروق إذا ما جفت تصلبت الشرايين، وتوقف القلب عن النبض وانتهت الحياة، ولذا فإن وأد القدوة هو دائما أول ما يستهدف أعداء الأمة، فلا تمكنوهم منكم ولا تجعلوا لهم سلطانا عليكم فيطفئوا سُرُجكم ويسقطوا قناديلكم فتظلم عليكم حياتكم، وينغلق عليكم أفقكم فتنهار قيمكم..

فتكونون كمن استبطأ ناقته في سيرها بالصحراء فقتلها، فما هو أبقى عليها ليصل إلى مراده ولا هو استطعم لحمها ليبقى على قيد الحياة.. فاحفظوا أنفسكم وأولادكم ووطنكم بإحياء سير السابقين والحاليين من النابغين والنابهين واحرصوا على تقديم القدوة في أبهى صورة، واحسن حال، فنحن أحوج ما نكون للاستفادة من تجاربهم والبناء على ما أقاموا.
الجريدة الرسمية