رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. "فيتو" تقتحم أوكار أطفال الحدائق بالجيزة والقاهرة وتتعرف على أسرارهم... تنتشر بينهم حالات الاغتصاب.. "مفتاح" تم حرقه بالبنزين وهو نائم بالحديقة.. و" نملة" يفتعل المشاكل مع كبار السن لسرقتهم

فيتو

أطفال الحدائق، هم جزء لا يتجزأ من أطفال الشوارع، ولكن لهم طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة باقي أطفال الشوارع، من ناحية نظامهم اليومي المعتاد، أو سلوكهم والبيئة التي يعيشون فيها، وأيضا تختلف الأمراض النفسية والجسمانية بين أطفال الشوارع والحدائق.


ويعتبر أطفال الحدائق أقل خطورة وعنفا للمجتمع المحيط بهم، لكنهم أكثر تعرضا للانتهاك والاغتصاب والقتل، إنه عالم آخر عالم يجذبك نحوه لتتعرف عليه وتتعاطف معه، ولكن أيضا مليء بالرعب والقصص المثيرة والمحزنة.

تساؤلات كثيرة تدور حولنا: من هم أطفال الحدائق ؟ وهل هم مثل أطفال الشوارع؟ وما هي الدوافع التي أدت بهم إلى ذلك ؟ وهل من الممكن إعادة تأهيلهم مرة أخرى للمجتمع ؟ وما هي نظرتهم للمجتمع المحيط بهم؟ 

كل هذه الأسئلة قد نجد بعض الإجابات عنها من خلال طرح بعض النماذج لأطفال الحدائق، والتي سنعرضها لكم بكل ما فيها من حكايات وقصص واقعية محزنة.

وقضت "فيتو" ثلاثة أيام متتالية تعايشت معهم في الحدائق العامة بمحافظتي الجيزة والقاهرة، ومنهم من استجاب وتحدث معنا ومنهم من شعر بالخوف وفر هاربا، ومنهم أيضا من تعدى علينا بالضرب، وقام بتحطيم آلة التصوير الخاصة بنا أثناء تصويرهم قبل الحديث معهم، ولكن إصرارنا على المعايشة الواقعية لهذه الظاهرة هو ما دفعنا لاستكمال ما بذلناه من مجهود دون خوف أو تهديد، بالرغم من أننا إذا قمنا بمغامرة داخل أوكار المخدرات وكهوف الآثار والسلاح لكانت أقل خطورة من أن ندخل عالم أطفال الحدائق واقتحامه.

في البداية تقابلنا مع "كريم" 13 عاما كان خارجا من حديقة بجوار مستشفى قصر العيني، وكانت الساعة الرابعة عصرا، وكان يحمل على كتفيه جوالا معبأ بعلب المياه الغازية " الكانز" وتظهر على ملابسه ووجهه كمية من الأوساخ، وحينما جلس فوق كوبري قصر العيني أعلى الحديقة ذهبنا إليه وتحدثنا معه، وكانت تظهر عليه علامات الارتباك والخوف في البداية، إلا أننا تحدثنا معه بابتسامة وبهدوء حتى لا يشعر بالخوف منا.

وحينما بدأ "كريم" حديثه لمعت عيناه بحزن شديد، حيث جاء "كريم" إلى القاهرة قادما من الفيوم هو واثنان من أصدقائه ويعيشون داخل الحديقة العامة أسفل كوبري قصر العيني منذ عام تقريبا لأنهم وجدوا هذه الحديقة آمنة، وأنهم يعملون في مهنة جمع القمامة وزجاجات المياه الغازية ليبيعوها لأحد التجار من منشية ناصر حيث يأتي إليهم مرة كل أسبوع في يوم الإثنين حتى يكونوا جمعوا أكبر كمية ممكنة من القمامة وعلب المياه الغازية ويحصلوا على مبلغ 100 جنيه كل أسبوع مقابل هذا العمل يأكلون منها ويشربون ويشترون سجائرهم.

وأكدوا أنهم جاءوا إلى القاهرة لأنهم من أسر فقيرة يبلغ عدد أفرادها أكثر من5 أفراد ويعيشون في عرفة واحدة ولا تستطيع أسرهم الإنفاق عليهم، حيث تعرض "كريم" في الفترة الأخيرة في بلدته الفيوم للضرب المبرح من والده الذي يعمل عاملا أجيرا في إحدى المزارع بسبب عدم مقدرة "كريم" على العمل، وإحضار 10 جنيهات كل يوم لوالده فتم طرده من المنزل لذلك قرر هو وأصدقاؤه السفر والهروب إلى القاهرة والعمل كمتسولين.


وأشاروا إلى أنهم لم ينجحوا في بداية الأمر في هذه المهنة، وتعرضوا للضرب والإهانة من قبل بعض المتسولين الآخرين لتعدي كريم وأصدقائه على مناطق هؤلاء المتسولين، حيث كانوا ينامون في البداية بجوار كوبري المنيل، وتم طردهم من هذا المكان وظلوا يبحثون عن مكان آمن حتى وجدوا هذه الحديقة. 

وقد تعرض أيضا " مفتاح " صديقه للحرق بالبنزين وهو نائم من قبل أحد المتسولين في أول يوم لهم وذهبوا به إلى مستشفى قصر العيني الذي رفض استقبالهم، وقال لهم اذهبوا به إلى مستشفى "أم المصريين" بالجيزة.

وعلى الفور حملوه على أكتافهم وذهبوا به إلى "أم المصريين" وتم علاجه وعادوا مرة أخرى إلى الحديقة بعد أن فر الفاعل هاربا من المكان وتركه لهم وبعد ذلك تعرفوا على أحد جامعي القمامة "بعربة كارو " وعرض عليهم العمل معه وأحضر لهم بعض الجوالات الكبيرة لكي يجمعوا فيها القمامة.

وأثناء حديثنا مع كريم لم يكن معه صديقاه " مفتاح ونملة"، كريم كان في الصف الرابع الابتدائي لكنه لم يجد القراءة والكتابة وترك التعليم بسبب عدم دفع المصروفات المدرسية وتم فصله من المدرسة، وهو يشعر بالأمان داخل هذه الحديقة لقربها من النيل، ويقومون بتقسيم أنفسهم في العمل حيث يقوم كريم ومفتاح بجمع القمامة، ويقوم نملة ببيع المناديل الورقية على المارة والجالسين بجوار الحديقة، وبهذا يزيد دخلهم اليومي من بيع المناديل من 20 إلى 25 جنيها يوميا، بالإضافة إلى افتعال نملة المشكلات مع المارة خاصة كبار السن لضعف حركتهم ويتم سرقتهم وقد رأينا هذا المشهد بأعيننا وتم تصويره.

ومن داخل حديقة ميدان التحرير تعرفنا على " نانسي" 7 سنوات" وشقيقتها " بوسي " 9 سنوات" حيث كانتا تتجولان داخل الحديقة، ومعهما بعض من "أكياس المناديل" الورقية يتحايلان على المارة والجالسين على المقاعد لشراء المناديل منهما لكن دون جدوى.

وتحدثتا معنا بابتسامة ملائكية وحزن شديد داخل أعينهما وتظهر على وجهيهما علامات الإعياء والإرهاق من كثرة التجول.. نانسي أصغر سنا من بوسي لكنها تتحدث بطلاقة وابتسامة صافية بريئة.

وأشارت نانسي إلى خيمة صغيرة جدا داخل الحديقة وقالت أنها تسكن بها هي وشقيقتها ووالدتها التي تجلس آخر الحديقة تفترش صندوقا صغيرا لتحضير وبيع الشاي للمارة وسائقي التاكسي.. نانسي لا تعرف من أبيها؟ ولا أين هو؟ وكل أحلامها أن تدخل المدرسة مثل باقي الأطفال الذين في عمرها، والتي تشاهدهم كل يوم وهم يمرون من أمامها مرتدين ملابس المدرسة.

ومن داخل حديقة الجيزة بجوار مستشفى الرمد تقابلنا مع " شمس" طفلة عمرها 14 عاما رفضت البقاء مع زوج أمها بالمنيب الذي حاول اغتصابها أكثر من مرة وفي كل مرة تقول لوالدتها عنه فيتم معاقبتها بالضرب والشتائم.

وفي آخر مرة حاول فيها زوج أمها اغتصابها كذبتها والدتها وطردتها من المنزل، حيث والدها متوف وأهلها في السويس ولا يعلمون عنهم شيئا منذ سنوات، وبعد طردها حاولت أن تذهب إلى أي دار رعاية لكن دون جدوى وتم رفضها فبحثت عن مكان آمن للنوم فيه فلم تجد سوى حديقة الجيزة حيث توجد بها غرف مهجورة.

وبالرغم من أن هذا المكان غير أمن، إلا أنها كانت تقضي فيه ليلتها، وحينما تستيقظ من نومها تذهب إلى " دورات المياه" بمستشفى الرمد ثم تتجول داخل شوارع الجيزة والمساكن للعمل في نظافة " الشقق" وسلالم العقارات حتى تستطيع توفير نفقات إعاشتها من أكل وشرب.

وأكدت أنها تحلم بأن تتزوج، ويصبح لها منزل وعائلة فلا ترغب في العودة إلى زوج أمها مرة أخرى، وهي الآن تعيش بمفردها رغم قسوة الحياة والتحرشات الجنسية التي تتعرض لها يوميا من البلطجية والمجرمين.

و"سحر" أيضا كانت داخل حديقة الجيزة بجوار مستشفى الرمد، وتبلغ من العمر 16 عاما وتعيش بجوار غرفة " شمس" المهجورة بالحديقة، ولكن سحر كان معها طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها العام والنصف.

وقالت سحر أنها راسبة إعدادية من مدرسة حلوان، وكانت تعيش مع خالتها بعد أن توفت والدتها وأشقاؤها الثلاثة إثر حادث سقوط المنزل عليهم وتوفوا جميعا منذ أكثر من 10 سنوات، وكانت سحر وقت سقوط المنزل على أسرتها في المدرسة، وحينما عادت أخذتها خالتها إلى منزلها في حلوان وبعد ذلك علمت أن أسرتها توفت، وبعد ذلك توفت خالتها منذ ما يقرب من 3 سنوات، وتم طردها من منزل خالتها الذي هو عبارة عن غرفة واحدة ودورة مياه مشتركة بين السكان.

وتعرفت سحر بالمنطقة على شاب ويعمل بالسياحة فأخذها في مسكنه وتزوجها عرفيا، وكان عمرها وقت ذلك نحو 13 عاما، وقال لها الشاب أن هذا الجواز حلال وكان يحذرها دائما بعدم الخروج من المنزل، حيث كانت تشرب معه الخمور والعقاقير المخدرة والحشيش، وكان يعمل في مدينة الغردقة، وكان يسافر ويعود كل شهر أسبوع إجازة، لكنه سافر في آخر مرة ولم يعد ثانية.

وجاء في أحد الأيام شقيقه إلى المنزل وطردها منه في منتصف الليل، ولم تجد سوى مكان بجوار " الحديقة اليابانية" في حلوان، حتى تنام فيه، ولكن تم التعدي عليها واغتصابها في هذا المكان من شخصين من البلطجية والمجرمين بالمنطقة، وحينما حاولت الصراخ والاستغاثة انهالوا عليها بالضرب وحينما سمع سكان المنطقة بصراخها، قام البلطجية بالاتصال بالشرطة، وحرروا لها محضر سرقة نقود منهم وتم حجزها بقسم شرطة حلوان، رغم أنها قالت بأنه تم اغتصابها وتهديدها، لكنها حصلت بعد ذلك على البراءة، ثم ذهبت أخيرا إلى حديقة الجيزة بجوار مستشفى الرمد.
الجريدة الرسمية