الشهداء الأبرار.. التاريخ المجيد و"زيدان" و"لميس"!
كانت العملية الأولى بميدان "رمسيس" حيث قتلوا بثبات وثقة جنديا أمام المارة الذين سعدوا بما رأوه وتركوهم يهربون، ثم قتلوا مستر "كييف" حكمدار القاهرة، وبعده "براون" وكيل وزارة المعارف وقتها والتعليم حاليا، ومستر "بيجوت" مراقب وزارة الزراعة، وكانت كل هذه الوظائف وغيرها في يد الأجانب منطقيا لبلد محتل!
بلغت الأعمال أربعين عملية لم يقبض فيها على أحد.. وهكذا نجحت منظمة "التضامن الأخوي" التي شكلها عدد من الوطنيين المصريين آمنوا أنه لا حل لطرد الإنجليز إلا بالقوة!
قرر الأبطال تنفيذ عمل كبير يوجع الاحتلال فقرروا اغتيال قائد "الجيش المصري" وحاكم السودان السردار "لي ستاك"، وبالقرب من شارع القصر العيني وتحديدا عند شارع إسماعيل اباظة، تربص رجال المنظمة بسيارة "لي ستاك" أثناء خروجه من الوزارة متجها إلى إقامته في حي الزمالك..
فقامت مجموعة بإلقاء قنبلة على السيارة في حين قامت المجموعة الأخرى بإطلاق نار كثيف على السيارة، فاطمئن الفدائيين لمقتله وفروا في الحال!
كان "سعد زغلول" رئيسا للوزراء.. وكان الحادث أكبر أزمة تواجهه منذ توليته للحكومة، فقدم تصريحا قال فيه "إن أسفي شديد جدا لهذه الجناية الفظيعة، ولا أدري إلى أية غاية رمى الجناة، ولا إلى أية طبقة من طبقات الأمة ينتسبون، ولا إلى أية هيئة سياسية أو حزب سياسي ينتمون، ولكني على كل حال أعتقد أن الذين ارتكبوا هذا الإثم الفظيع لم يرموا إلا إلى الإخلال بأمن هذه البلاد وراحتها"..
ولكن لم يمتص ذلك غضب الإنجليز، فقدموا إنذارا في اليوم التالي طالبوا فيه بالاعتذار وتقديم غرامة مالية قدرها نصف مليون جنيه، والقبض على الجناة بأسرع وقت، بالإضافة إلى عدد من المطالب الأخرى.. فاستقال "سعد زغلول"!
وبعد 6 أشهر تقريبا أعلن القبض على الأبطال بقصة لها تفاصيل أخرى تمت بخيانة شهيرة لواحد من خارج منظمة "التضامن الأخوي"، تستحق مقالا منفردا لكن انتهى الأمر خلال أسابيع بإعدام 8 من خيرة شباب مصر، أولهم الشقيقان "عبدالحميد" و"عبد الفتاح عنايت" وكانا عمرهما في الـ 22 وال 19 (خفف الحكم على الأخير إلى الأشغال الشاقة)، وقدما شقيقهما الأكبر شهيدا قبلهما بسنوات..
ثم إعدام كل من "إبراهيم موسى" باش خراط بالعنابر- 31 سنة- و"محمود راشد" أفندي مساعد مهندس تنظيم- 33 عاما- و"إبراهيم محمد" يعمل براد في إحدى الورش -22 سنة- و"راغب حسن نجار" بمصلحة التلغراف -23 سنة- و"شفيق أفندي منصور" محام و"محمود أفندي إسماعيل" موظف بالأوقاف، والسجن لـ"محمود صالح محمود" سائق السيارة الأجرة التي هرب فيها الأبطال!
وقف "عبد الحميد عنايت" لحظة الإعدام وقال: "قمت بعملي أحسن قيام إنا لله وإنا إليه راجعون.. رب أدخلني جنة النعيم"، وقال الجميع ما يشبه ذلك، لكن كان "إبراهيم موسى" الأكثر ثباتا، فقد ظل يرفض أي تبرعات رغم الحاح الوطنيين من كل مكان.. فقد كانوا يعلمون أنه ترك أربعا من البنات بلا أي أموال ولا ميراث ولا عائل لهن غيره.. لكن مصر كانت عنده أحب وأجمل وأغلى مما سواها!
لن تسمع القصة من "لميس جابر" رغم كل حواديتها.. ولن يحكيها "يوسف زيدان" حتى على سبيل الخطأ.. لأنهما يران أن عصر الاحتلال كان أفضل.. وأن أبناء الجيش العظيم أخطأوا بالثورة.. ولن يقولوا ماذا كان موقف ملك مصر.. أو ملك مصر والسودان كما هي النكتة.. ولم يكن يملك إلا أن يحكم قصره.. وربما نشك في ذلك أيضا!
بقي أن تعرف عزيزي القارئ أن اغتيال "السردار" تم زي النهاردة يوم 20 نوفمبر من عام 1924.. واحفظ تاريخ بلادك.. واحفظ أسماء أبطالك.. لأنهم يزيفون الآن كل شيء!!