رئيس التحرير
عصام كامل

ستاربكس.. الكيف وسنينه!!


خلف طابور طويل وقفت مثل الواقفين انتظر الدور.. من وراء ماكينة الكاش تقف فتاة عشرينية منتصبة تفعل كل شيء.. تتقاضى حق المشروب ثم تقوم بإعداده ومن ثم تقدمه لك ساخنا.. كل واحد في الطابور يستهلك ما لا يقل عن خمس دقائق وعليك الانتظار طالما تمكن منك "كيف" القهوة المرة القادمة من أراض أفريقية وأمريكية جنوبية.. تتسرب رائحتها الزكية لتسرى في البدن وتشرح النفس وتنشر بهجتها في كل أوصالك.

جاء الدور وطلبت قهوتى المقطرة أو ما يسمونها "فلتر كوفى".. دفعت المعلوم وسألت صانعة القهوة هل أنت وحدك؟ ابتسمت دون رد شافٍ.. ثم أسرعت في صب القهوة المطلوبة.. كانت طازجة.. ساخنة.. تفوح من أبخرتها ما يكفى لأن يأخذ الأنف نصيبه قبل الفم.. جلست أترقب تلك الشابة التي لا تغيب ابتسامتها عن وجهها رغم معاناة الوقوف لساعات والحركة في مساحة ضيقة لإعداد "مشاريب" الزبائن.

كان ذلك في "ستاربكس" فرع "كارفور الإسكندرية" ورواد هذا المقهى يتزايدون في مصر لغاية ليس لها علاقة بالترفيه رغم غلاء الثمن.. القهوة تطحن أمامك.. منتقاة من عدة مزارع ومن أراض تفيض بعبق يسكن الحبة الواحدة فيجعلها كافية لأن تصبح "كييف" أو "مدمن"، أو على أقل الاحتمالات "غاوى"، وإن شئت الدقة فإن متعاطيها يصل إلى حد الغواية.. غواية لذيذة وشقية لا نهاية لها في حدود المتعة وقد تصبح أسيرا.

كل ذلك مقدور عليه فالإنسان بلا "كيف" محسوب العواقب يصبح ترسا في آلة أو مستهلكا لأشياء بلا تذوق أو دون طعم.. الإشكالية في "ستاربكس" مصر.. ليست مثل فروعها في كل العالم.. في معظم الأحايين ستجد ماكينة معطلة وقد تتوجه إلى أقرب فرع فتراه وقد أغلق أبوابه بلا إنذار أو أن عدد الموظفين أقل من المطلوب، فتستهلك من وقتك ضعف ما هو مطلوب أو أن تطلب نوعا لا تجده.. بصراحة لا يمكن أن نطلق عليه إلا "اللعب بالزبون"!!

لم أدمن في حياتي شيئا خارج نطاق القانون.. أنا أحب طبق السلطة الطازجة صباحا.. أعشق الجبنة القريش ثم أتوجه مباشرة إلى أقرب فرع من "ستاربكس" إن لم يكن قد أغلق أبوابه فإنني أمام تحدٍ جديد.. أن أجد ما أطلب.. ثم إن ودجت ما أريد يبقى إلا أفقد ثمنا لذلك من عمرى فأحاسب على وقتى فيما أمضيته.. خلف الطابور!

أخيرا هدانى زميلى في الكيف وصديق العمر "ياسر عبد الحليم" المحامي فكلانا من العناصر البشرية التي تورطت في عشق هذا النوع من القهوة.. اتفقنا واشترى كل واحد منا ماكينة صنع القهوة.. اشترينا البن ومطحنة لكل واحد منا.. على الأقل الآن لن نحاسب على عمرنا المقضى خلف الطابور وسنحاسب فقط على الكيف الذي لا نظن أبدا أن مفتى السلفيين قد أصدر فتواه بتحريمها.
الجريدة الرسمية