رئيس التحرير
عصام كامل

بعكس ما هو شائع.. علماء يتحدثون عن أكثر من مخ لدى الإنسان!

فيتو

تعلمنا أننا نحمل مخًا واحدًا فقط، مخُ يتحكم بسلوكنا وطبيعتنا ويقرر صحتنا من عدمها أو درجة ذكائنا. لكن الحقيقة شيء آخر، كما يرى علماء، إذ بجانبه هناك مخين أحدهما يُعتبر المخ الأول!هناك من يحب "ببطنه" لا بعقله أو قلبه، ويقول المثل الشعبي الألماني: "أنت تكون، ما تأكل"، ويقول الألمان أيضا، إذا لم يتمكن المرء من اتخاذ قرار بشأن ما "سأسأل بطني".هذه الأمثلة، ليست لها علاقة بتناول الطعام فقط، ولم تبتعد عن الواقع العلمي، كما يقول علماء متخصصون في علم الأعصاب.

إذ أن هناك مخا ثانيًا في أجسادنا، يفكر ويساعد المخ الواقع في رأس الإنسان في اتخاذ القرارات، بل حتى في مزاجنا وطريقة تفكيرنا ويمكن أن يكون له دور حتى في أمراض نفسية وعصبية. والأصح القول، حسبما يرى علماء: أن مخ الإنسان الذي عرفناه هو المخ الثاني، والمخ الأول يقع في بطن الإنسان، وبالذات في الأمعاء.

ففي تعرجات الأمعاء - التي تشبه أيضا تعرجات المخ- هناك 500 مليون خلية عصبية، تساوي في عددها وترابطها مخ القط أو الكلب. ويطلق العلماء على نظام الأعصاب في الأمعاء، بالجهاز العصبي المعوي، بينما يطلق على المخ بالجهاز العصبي المركزي. وترى دراسات علمية حديثة أن كلا "المخين" يؤثران على بعضهما بشكل مستمر، بل أن طريقة عملهما متشابهة جدًاإذ يستخدمان نفس الشبكة العصبية، ونفس الناقلات العصبية، بل أن أصلهما من نفس الخلايا الجذعية، حسبما ينقل موقع "لاكوميد" الطبي.

البروفسور ميشائيل غيرشون، من جامعة كولومبيا في نيويورك، يقول في تقرير نقلته قناة "arte" الأوروبية إن علاقة الجهاز العصبي المركزي مع الجهاز المعوي المركزي تشبه علاقة الكومبيوتر الموضوع على طاولة. فكلاهما يعملان معا.

غير أن البروفسور ميشيل نويله في جامعة نيس بفرنسا يرى في حديثه ضمن نفس التقرير التليفزيوني أن المخ الأول هو الجهاز المعوي المركزي، حيث نشأت الخلايا العصبية أولا مع تطور الإنسان، وحيث كان تناول الطعام هو الأساس. وقبل 1.5 مليون سنة، حدث الانقلاب، حين اكتشاف إنسان "هومو إريكتوس" ويعني الإنسان الواقف على قدميه، الشواء، فحدثت الطفرة التي ضاعفت من كمية الطاقة التي يوفرها الجسم نتيجة عدم مضغ الطعام الني إلى 16 ضعفًا. وهي طاقة وفرها الجسم لنمو الجهاز العصبي المركزي، وإلى بلوغ الإنسان مرحلة "هومو سابينس" أي الإنسان العاقل.

عقل ثالث؟

يذهب العلماء أبعد من ذلك ويتحدثون عن مخ ثالث، ألا وهو مئات مليارات من البكتريا التي تعيش في مستعمرات داخل أمعائنا، وبعكس ما يظن كثيرون، فإن هناك نحو ألف نوع من البكتريا الصالحة التي تؤثر في حياتنا وصحتنا تعيش في الأمعاء. إذ ينقل نفس التقرير كيف أن هذه البكتيريا تؤثر في عملها حتى على قرارتنا وسلوكنا، على سبيل المثال أن يكون المرء متحفظا في سلوكه أو عصبيا.

هذا العدد الهائل من الكائنات الحية هو أكبر مجتمع لكائنات حية تعيش في نظام حياتي على وجه الأرض. كما أن عددها يبلغ مائة ضعف عدد خلايا الجسم البشري. ويصور علماء تواجد هذا العدد الهائل من الكائنات الحية داخل الأمعاء وكأن الإنسان لا يعيش مفردا بل يحمل داخله نظاما حياتيا هائل التعقيد، يفكر مع الإنسان ويشاركه في اتخاذ القرارات.

ويقول البروفسور المتخصص في علوم البكتيريا، ستيفن كولنس من جامعة مكاستر في كندا: إننا نحمل في أجسامنا عددا أكبر من الحمض النووي للبكتريا، مقارنة بالحمض النووي البشري. هذه الكائنات الحية التي تصنع منا ما نحن عليه لا نعاملها بالحسنى، كما يرى العلماء.

 إذ إن الإنسان الذي يعيش في المدن يتناول الطعام السريع أو حتى السيئ، ولا يغذي البكتيريا غذاء صحيا، فتموت أو تمرض ونمرض معها. فهي أهم جهاز مناعة في أجسامنا. 

وينصح التقرير بتناول الخضراوات والفاكهة كثيرا، التي تساعد على نمو هذه البكتيريا وبقائها على قيد الحياة والابتعاد عن الطعام المعلب وكذلك عدم الإفراط في تناول المضادات الحيوية التي تقتل البكتريا الضارة والنافعة معا.

وأوضح التقرير، كيف أن بشرا يعيشون في غابات أمريكا الجنوبية وتنزانيا يحملون في أمعائهم ستة أضعاف ما يحمله الناس الذين يعيشون في المدن الكبيرة حول العالم، ويمتلكون صحة أكثر.

بعد كل هذا، هل سنغير من طريقة تعاملنا مع أمعائنا التي تعمل طيلة النهار وربما الليل، وتفكر معنا، وكيف نستضيف مئات مليارات البكتريا النافعة التي تصحبنا طيلة حياتنا؟

عباس الخشالي

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية