إسبانيا ومؤامرة التقسيم "٣"
حول ملف دعاة الانفصال في إقليم كتالونيا لا يزال الحديث مستمرا، حول الخريطة الحزبية السياسية حسب الانتخابات قبل الأخيرة، سواء كانت داعمة للانفصال أو داعية لرفضه، حيث كانت الخريطة في الانتخابات السابقة تميل أكثر إلى جهة رفض الانفصال، وبحسبة بسيطة نكتشف ذلك بوضوح..
الأحزاب الداعية للانفصال هي الحزب الجمهورى الكتالونى، ونسبة تمثيله في الإقليم ٢٤،٥٪، وحزب معا من أجل كتالونيا، ونسبة تمثيله في الإقليم ١٢٪، بينما أحزاب رفض الانفصال هي الحزب الاشتراكى الكتالوني، ونسبته ٢٣٪، وحزب الفوز بالتغيير ١٤،٩٪ ، وحزب مواطنون ونسبته ١١،٥٪ ، وفوكس ونسبته ٣،٦٪، والحزب الشعبى الكتالوني ونسبته ٤.٨٪.
وماذا عن الانتخابات المنتهية منذ يومين: الإجابة أن النسبة الغالبة لا تزال ترجح القوى السياسية الرافضة للانفصال، ورغم تراجع الحزب الاشتراكى الحاكم، إلا أن القفزة التي حققها حزب فوكس اليميني المتطرف، تصب في صالح عدم الانفصال، بل إنها تدعو إلى تعليق الحكم الذاتى داخل الإقليم، وتدعو إلى التعامل بحسم وحزم ضد قوى الانفصال، وترى مع غيرها من القوى السياسية والمؤسسات المدنية، أن التعامل مع الانفصاليين، يجب أن يأخذ منحى الحسم المعتمد على الدستور دون تراخٍ.
أما الكيانات الكتالونية الأخرى فهي تتركز في ثلاث تكتلات هامة ومؤثرة: أولها الجمعية الوطنية الكتالونية وهي مؤسسة من دعاة الانفصال، يشاركها الموقف جمعية أومنيوم الثقافية، بينما تقابلهما وتعارضهما مؤسسة الجمعية المدنية الكتالونية، وعطفا على ذلك فإن كانت الاستحقاقات الـ ٤٨ التي استخدم فيها الكتالونيون حقهم في التصويت حول هذه القضية قد خرجت في أعظم مكاسب لهم بنسبة ٤٧٪ لصالح الانفصال و٥٣٪ ضد ذلك فمتى إذن ظهرت النزعة الانفصالية على الساحة؟
عندما تعرض العالم إلى الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ م كانت إسبانيا من أكثر الدول تأثرا بها، حيث تراجع حجم الإنتاج المحلى إلى قرابة الـ ٨٪ ، وهو ما كان له أثر سياسي بالغ الأهمية، إذ إن الناتج المحلى الإجمالي لإقليم كتالونيا تراجع بنسبة ١٠٪ لأسباب عدة، منها ما تردده الحكومة المركزية ضد الإدارة غير الرشيدة لحكومة الحكم الذاتى، بينما عزاها آخرون لأسباب أخرى.. الأهم أن هزة عنيفة تعرض لها الإقليم، مما استدعى تدخل السلطات المركزية لضخ الأموال لمواجهة الأزمة.
وسط هذه الضبابية وتخفيض الإنفاق العام، وتأثر المجتمع الكتالونى بشدة، ظهر على السطح رئيس حكومة الإقليم، ومعه رواية قلبت الموازين، مفادها أن إسبانيا هي الأزمة، وأن الاستقلال هو الحل الوحيد لهذه الأزمة، وهنا ظهرت روايات تاريخية تتحدث عن كون كتالونيا ضحية تاريخية منذ حرب ١٧١٤م ، بينما يرى دعاة البقاء داخل إسبانيا أن تلك الحرب لم تكن سوى صراع بين ممالك أوروبية للسيطرة على التاج الإسباني.
ومع الثراء الذي ينعم به إقليم كتالونيا ظهرت روايات أخرى تدغدغ مشاعر الكتالونيين، حول سرقة ونهب إسبانيا لإقليم كتالونيا، والسلطات الرسمية لم تنف ثراء الإقليم ومساهمته الكبرى في دعم الأقاليم الأقل حظا، وهو واجب على أي إقليم يقع تحت خريطة البلاد، شأنه في ذلك شأن أقاليم أخرى لها إسهامات أكبر من نظيراتها الأقل حظا، ومع طرح مثل هذه القضايا على النقاش المجتمعى ظهر ما هو أخطر من دعوة الانفصال.. بدا واضحا أن حالة من الانقسام قد حفرت بأظافرها في الجسد الكتالوني نتوءات لا يتوقع الخبراء اندمالها في الوقت القريب!!
غدا.. النزعة الانفصالية وأجندة المستقبل