رئيس التحرير
عصام كامل

"هيثم أحمد زكى".. وحكايات الموت لا تنتهى


أصابنى الصمت وحالة من عدم التصديق لخبر رحيل "هيثم أحمد زكى"، لأسباب كثيرة أبرزها أن المواقع كل يوم تدعى وفاة فلان أو علان من الفنانين، السبب الأهم أننى أصبت مرتين في أشقائى الأصغر منى بموتهما المفاجئ، ومنهم "مدحت" الذي قام بزف عريس وعروسه إلى منزل الزوجية بسيارة أخى الأكبر، وعاد للبيت وأعطى مفتاح العربية لأخيه داعيا بزواج أبنائه ويقوم أيضا هو بزفافهما، بعد عشر دقائق بالضبط وهو يتناول الغداء مع زوجته، صعدت روحه لبارئها وسط حالة من الذهول حتى العريس، الذي ترك عروسه وجاء ليتأكد من الخبر..


أما "ماجد" الأصغر في أشقائى، ففى شهر رمضان الكريم وبعد الإفطار قام بصحبة أسرته لشراء حلويات، دخل حجرة نومه ليرتاح طالبا منهم أكل الحلويات حتى يستيقظ يأكل هو، لم تمض ساعة عندما أصرت زوجته أن يقوم لتناول الحلويات معهم وبلاش كسل، اشتكى من ألم في ذراعه ومحتاج مسكن، لم يتناول المسكن وصعدت روحه لبارئها.

الغريب عندما يأتيك تليفون وتتوقع أخاك المريض قد رحل فتكون المفاجأة أن أخاك الصغير الرياضى الذي لا يشكو من شىء رحل دون إشارة أو تنبيه، ربما يعتقد القارئ المبالغة أننى ما زلت أنتظر أخى "مدحت" أن يأتى للعب مع أبنائى كما كان دائما ويسهر معهم للفجر، بالرغم من رحيله من ثلاثة وعشرين عاما..

أما "ماجد" فهو كان لظروف عمله كضابط في القوات المسلحة ينتقل من مكان لآخر ويغيب فلا الاتصال، ولكنه يعود ويتصل، وما زلت أنتظر تليفونه بالرغم من رحيله منذ خمس سنوات ويزيد.

أما الفنان "هيثم أحمد زكى" فلا أعرفه معرفة شخصية، وحدود معرفتى به مثل الملايين غيرى، فهو الابن الوحيد للنجمة التي أحبها الجميع "هالة فؤاد" التي رحلت سريعا هي الأخرى، وطبعا والده النجم العبقرى "أحمد زكى"، والحقيقة لهذه الأسرة اعتذار واجب، اعتذار للأب والابن، مثلما اعتذر الكاتب الكبير "محسن محمد" رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير جريدة الجمهورية في السبعينات..

عندما نشرت الجمهورية أخبارا وموضوعات عن الفنان "عبدالحليم حافظ" الذي كان يعانى المرض وسكرات الموت في لندن إلا أن الجمهورية خرجت بموضوعات تدعى أن "عبدالحليم حافظ" ليس مريضا ولا شىء، ولكنه يشيع هذا حتى يكسب تعاطف وحب الجماهير له، وبعد ذلك بأيام قليلة رحل "عبدالحليم حافظ" واكتسى العالم العربى بالحزن على مطربه الأول..

فلم يكن "عبدالحليم حافظ" مجرد مطرب يتغنى الناس بأغانيه، ولكن كان عندليب العرب وصوت الثورة والوطنية، فاسقط في يد "محسن محمد"، كيف يواجه القارىء الذي بالامس قال له بان "حليم" يشيع حكاية مرضه، وكان كاتبنا الكبير على قدر المسئولية، عندما اعتذر للقارئ ولروح "عبدالحليم حافظ" على نشره أخبارا خاطئة أساءت للنجم الأول في العالم العربى.

لهذا فإنني أقر وأعترف لم أكن أحب "أحمد زكى" بالرغم من اعترافى به كممثل عبقرى وكان أول مرة أشاهده في مسرحية "هالو شلبى"، وهو يقلد "محمود المليجى" وبالرغم من قصر الدور إلا أنه لفت النظر، ثم تألق في مدرسة المشاغبين... الخ، وتوالت أدواره العبقرية في "زوجة رجل مهم"، و"البيه البواب"، و"ناصر 56"، و"أيام السادات" وغيرها، ولكن هذه الأفلام الأقرب إلى قلبى كما أن دوره لعميد الأدب العربى في مسلسل "الأيام" كان فذا ومدهشا..

وسار هناك حاجزا بينى وبينه لا أعرف سببا، حتى أصيب بمرض السرطان واهتزت قلوب الناس خوفا وتعاطفا على نجمها المحبوب، الذي قال لى "نور الشريف" أنه أفضل ممثل في تاريخ السينما المصرية، وهو الوحيد الذي يحصل على عشرة من عشرة في أدواره! 

وقال لى المخرج الكبير "على بدرخان": عندما نتحدث عن أفضل ممثل في تاريخ السينما "أحمد زكى" من أهمهم! وأثناء مرض "أحمد زكى" كنت مع الفنان الكبير "محمود ياسين" شفاه الله وعافاه قال عن "أحمد زكى": إننى أعتبره تؤام زوجتى "شهيرة"، أحببته قبل أن يعرفه الناس عندما كنت أذهب المعهد من أجل "شهيرة" قبل الزواج، وقد فوجئت بـ"أحمد" يتحدث معى بعصبية شديدة قائلا: "انت هتتجوز "شهيرة" ولا لاء؟ مش كل يوم تيجى المعهد وتشوفها!"، يضيف "محمود ياسين": شعرت بأنه ابن بلد وفلاح اصيل ويخاف على بلدياته "شهيرة" مثل خوفه على شقيقته بالضبط!

في نفس التوقيت حكى لى أيضا عم "محفوظ عبدالرحمن" كما كنت أناديه أنه لم يكن موافق على قيام "أحمد زكى" بدور الزعيم "جمال عبدالناصر"، ووصل هذا الكلام إلى "أحمد زكى" فكان رده عمليا، وتكمل الفنانة القديرة "سميرة عبدالعزيز" زوجة عم "محفوظ"، في أحد الأيام وأثناء تناولى مع "محفوظ" الإفطار رن جرس الباب، قمت بفتح الباب لأصاب بالرعب، أمامى "جمال عبدالناصر" -أحمد زكى- قائلا: ممكن أفطر معاكم يا هانم!

فاقتنع "محفوظ" بعبقرية "أحمد زكى" وادى الدور ونجح الفيلم نجاحا مبهرا، وتغيرت مشاعرى تجاه هذا الفنان العبقرى الذي أعرف لماذا كان بينى وبينه حاجز وهمى، وربما لحبى لـ"نور الشريف" و"محمود ياسين" و"الفخرانى" وغيرهم لا أريد أحدا يتفوق عليهم، أما "هيثم" كنت أراه أنه في مأزق شديد لأنه ابن "أحمد زكى"، وأحيانا كنت أرى أنه الأفضل ألا يستمر في التمثيل، لأن شبح "أحمد زكى" سيظل يظهر في كل لقطة يظهر فيها..

إلا أننى رأيت أنه صاحب موهبة في دوره الصغير في الجماعة، كما أن دوره في مسلسل "الصفعة" أيضا، ولا بد أن أعترف أننى كنت دائما أرى صورة "أحمد زكى" في "هيثم" وكما قالت ابنتى هو لا يقلد والده ولكن الجينات طبيعية، وكم شعرت بالألم عندما عرفت أنه كان يشعر بأن الموت قريب منه، ولم يكن سعيدا بل وحيدا وهى حياة تشبيه حياة الأب.

رحم الله الجميع، إخوتى، وهالة فؤاد، وأحمد زكى، وهيثم أحمد زكى، وغفر لهم جميعا.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون وإنا لله راجعون.
الجريدة الرسمية