المؤامرة الوطنية الكبرى!
الثورة العراقية التي اجتاحت معظم المدن.. ربما تكون نهاية للنموذج الأمريكي، وثورة اللبنانيين ربما تكون بداية النضال ضد الطائفية وأمراء الطوائف، في مواجهة الطرح الجماهيري العفوى يظهر طرح النخبة الحاكمة استغلاليا حفاظا على مصالحها وعلى ديمومة النموذجين اللذين أفرزا أرضا خصبة للفساد الذي استشرى، محميا بمن بيدهم أمر المراقبة والمحاسبة وتطبيق الشفافية، تحت شعار "حاميها حراميها".
النخب الحاكمة في العراق ولبنان بدأت في طرح ما يسمى بالمؤامرة، دون أن يكون الفساد والديكتاتورية هما أكبر المؤامرات تاريخيا ضد منطقتنا، لا يمكن قبول فكرة المؤامرة الخارجية، بينما ترزح الشعوب العربية تحت نير الفساد الوطنى، اللصوص مواطنون يحملون نفس الجنسيات، الظالمون مواطنون وليسوا أجانب، السفاحون ليسوا محتلين أجانب، بل يحملون نفس قسمات الوجه، ولون البشرة، ويتحدثون نفس اللغة، ولو أن دولنا قامت على المدنية وسيادة القانون، فإن الشعب وحده قادر على مواجهة المؤامرات التي تحاك ضدنا.
إن تاريخنا العربى الحديث امتلأت صفحاته بديكتاتوريات كانت أقسى في ممارساتها من المحتل الذي ناضلت شعوبنا حتى طردته من الأرض، مواجهة العدو أسهل بكثير من مواجهة الأنظمة الوطنية التي أفسدت التعليم، وأفرزت أجيالا من الفاسدين، وجعلت الفساد ضرورة لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها، في حقبة التحرر الوطنى كنا نحارب عدوا أخضر العينين، يتحدث الإنجليزية والفرنسية، ويحمل اسما غربيا، كنا صفا واحدا ضده، وضد ممارساته.
اليوم أصبح العدو واحدا منا تسانده بطانة منا، يحمل نفس الملامح، ويتحدث نفس اللغة، أمعن فينا قتلا، وفي أوطاننا فسادا.. خرب التعليم، وأهمل الصحة، وعاث في الأرض نهبا، وعندما تهب الشعوب ضده مثلما هبت ضد المحتل الأجنبي يصدر لنا في العراق ولبنان نظرية المؤامرة.
المحتل في شكله القديم جاء إلى بلادنا مستهدفا خيراتها، والمحتل الوطنى يفعل نفس الشيء، المحتل الأجنبي رسخ للجهل، والوطنى ابتنى للجهل صروحا، الأجنبي جاء ليسرق البلاد والعباد والوطنى جاء ليفعل كما فعل الأجنبي، المحتل كان يعمل على الفرقة ونشر الفتنة بين فئات المجتمع، والوطنى يرعى الفتنة ويرويها تحت شعار فرق تسد، نفس الأهداف ونفس الأدوات.. لا فرق بينهما إلا في لون البشرة واعوجاج اللسان!!